Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2017

تأمّل في مستويات الوعي - ابراهيم العجلوني
 
الراي - ثمة مستويات من الوعي ينتقل الناس بينها, وهي تتفاوت صعداً واندياحاً, وإن كان مركزها او منطلقها واحداً.
 
أول ذلك الوعي الذي يجزئه ما يؤتاه من معطيات الواقع أو ما يلقنه من معلومات وحقائق, فهو لا يتجاوز ذلك..
 
ثم يأتي الوعي المنتبه الى الدقائق والمتناقضات ووجوه الاطراد والتشابه والذي يقف عند اقرب تأويل لما ينتبه اليه.
 
ثم يأتي «التأمل» و»الاستنباط» وبناء المنظومات العقلية والاخلاقية فيكون ذلك مستوى اعلى او دائرة من الوعي اكثر سعة وشمولاً.
 
ثم يكون فوق ذلك كله (لا ضد ذلك) ما يمكن تسميته «الوعي المفارق» الذي هو مزيّة «النبوة» بما هي تلق كوحي الهي, حيث يلتقي على العقول السوية نوران, نور الفطرة ونور الهداية وحيث تكتمل للانسان اسباب ائتناسه بالكون والكائنات, وحيث لا يكون لغز مؤرق أو قلق وجودي, وحيث تنطلق ارادة الخير في الارض ويتنافس في ذلك المتنافسون, وحيث يتطابق نظام المعرفة ونظام الاخلاق, وحيث يمكن لذي الفطنة ان يفهم كتباً مثل: «المنقذ من الضلال» للامام الغزالي, و»تأملات في الفلسفة الاولى» لديكارت, و»فصل المقال فيما بين الحقيقة والشريعة من الاتصال» لابن رشد, و»قصة الايمان بين الفلسفة والعلوم والقرآن» للشيخ نديم الجسر, و»الفقه الاكبر» للإمام أبي حنيفة, وما شاكل هذه الكتب التي تعكس تجارب اصحابها في ابتناء رؤية ايجابية للكون والحياة والانسان.
 
***
 
ولعل من يتدبر بعض آيات القرآن الكريم أن يخلص من قريب الى ان الخطاب القرآني موجه الى مستويات الوعي الانساني كلها وأن نوره موزّع بينها جميعاً, وأن لكل مذدكر مقنعاً فيما يستطيع التنور منه, وأنه حجة قائمة على البشر جميعاً, حجة بالغة مبلغها من كل نفس وكل عقل, فمن شاء آمن ومن شاء كفر ولا يظلم ربك احداً..
 
***
 
ثم إن لله سبحانه نفحات من اسباب الاهتداء, وموثبات الوعي, تنفتح للناس من اعقاب - أو في اثناء - ما يتعرضون له من تجارب أو ما يمنون به من ألوان الضعف والنقد والبأساء والضراء, فاذا هم في معارج عرفانية ترقى بهم وراء ما يعهدونه من مستويات الوعي أو وراء ما مرنوا عليه من مناهج العلم وطرائق البحث وقضايا المنطق وأقيسته وحدوده.
 
***
 
من اجل ذلك, ومن أجل أن أصحاب التجارب الصعبة في مثل عين اليقين من علم ما يكابدونه, فإنه لا يستوي الذين يعلمون على هذا المعنى وبين الذين لا يعلمون. ولا يستوي من صقلت مرآة نفسه الآلام ومن يمضي على وجهه لا تعرف إليه أوجاع الروح ولا تساؤلات العقل سبيلاً.
 
***
 
وعلى أن ما تقدّم لا يعدو كونه مقاربة اولى في مستويات الوعي, أو تأملاً في ذلك, إلا أنه يصلح - في اعتقادنا - منطلقاً لتوسّم نظرية في المعرفة تتبوأ مكاناً معتبراً بين نظريات المعرفة السائدة أو تكون أرق رحماً منها بواقع الانسان الذي هو أكرم المخلوقات وأحسنها في أصل نشأته تقويماً..