Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Feb-2018

هوية الخطاب الثقافي - غازي خالد الزعبي

 الراي - اذا كانت الثقافة هي حالة وعي حضاري واطار فكري جامع لرؤية مجتمع ما للعصر الذي يعيش فيه , وانطباع معرفي يؤدي الى بلورة المعتقدات والاهداف نتيجة للافكار المتداولة والمعلومات المتوفرة التي تصنع اسلوب حياته السائد ومشروعه المستقبلي المنتظر , فمما لا شك فيهأن الثقافة ستكون  ضرورة وطنية انسانية كمنهاج للعملالشامل السياسي والاقتصادي وغيرهما , واستراتيجية  معرفية لا غنى عنها للتنميةوالتطور , وإضاءة كاشفة تساهم في صنع القرار الصائب الذي يعكس  الصورة الحقيقية للواقع , ويتسق مع حركة التغيير المستمرة متخطية حاجز التناقض

المعطل والمراوحة في المكان , او الانغلاق الجزئي على التفاصيل والمفردات التي لا
طائل منها بدل النظرة الجامعة الكلية التي ينبغي ان تظل مرافقة للعمل كعلاقة
جدلية خلاقة وبوصلة اتجاه عبر الزمان والمكان.
وللتراث ارتباط عميق بالحالة الثقافية كرافد اساسي يضفي مقدمة تاريخية شاملة ,
وعصارة تجربة حياتية للاجيال المتلاحقة تستلهمها ليمتزج بها الماضي بالحاضر
ويخلق نظرة واعية للاصالة والتميز تمنع التفاعل الثقافي بين الشعوب من ان يتحول
الى بوتقة للذوبان في عالم الاخرين , ويفقد هويته الثقافية الذاتية بدل ان يكون اداة
انفتاح على معطيات العصر يحمل في طياته اصول الحوار المتكافئ الذي يحافظ على
الخصوصية الثقافية التي تحول دون الغاء التاريخ الاجتماعي والثراث الانساني للمجتمع
, وتحافظ على جذوره وملامحه التي ينبغي ان يكون عليها بدل التشتت والضياع في
غياهب التاريخ الذي لم يحفظ الا سير الشعوب الحية واثارها الباقية.
وثقافتنا المعاصرة التي اختلط فيها الهجين بالاصيل تحولت الى رؤية ضبابية محيرة
امام الاجيال وساحة للالفاظ المستهلكة والمعاني المبهمة بسبب خضوع الانتاج
الثقافي للجدليات السياسية والمهنية البيروقراطيه , والغزو الثقافي المكثف بوسائل
الاتصال الحديثة الذي يهدف الى صبغ المجتمع العالمي بنهج ثقافي واحد , والترجمات
الادبية والفكرية الموغلة في الذاتية السردية , والنظرة المادية الاحادية لحركة التطور
الامر الذي يدعو الى اعادة تقييم البنية الثقافية السائدة وتخليصها من الاعشاب
الضارة التي نبتت في ارضها , والغيوم الملبدة التي حجبت سماءها من اجل بلورة
صيغ ثقافية جديدة تستطيع مواكبة التغير ومواجهة الاحداث المصيرية بعزيمة
متجددة تقوم على طرح ثقافي مستنير , كذلك اعادة النظر في المناهج المدرسية
والجامعية التي تفتقر الى مواد ثقافية تنمي الوعي , وتتيح التفكير النقدي البناء لدى
الدارسين , والانفتاح على الوقائع والمواضيع الملحة بدل الاصرار على المواد الافتراضية
والبلبلة المدرسية المعتادة التي تدور في مجملها حول الحفظ التلقائي , والنجاح
والرسوب , مما يصرف انتباه الطلبة عن التفكير الابداعي الحر ويخمد ملكاتهم
الفطرية. وهويتنا الثقافية ذات الطابع العربي الاسلامي كانت بمثابة النتاج الطبيعي
لعقيدتنا السمحة التي اخرجتنا من الظلمات الى النور , وغرست فينا الايمان والتقوى ,
وقيم العدالة والحرية والوفاء بالعهد , القت بظلالها على تراثنا المجيد بما فيه من
انتصارات و نكسات , محملاً برسائل حضارية ظلت ترافقنا على مدى الايام بهدي من
معرفة يقينية , تكشف معالم الطريق القويم الذي ينبغي السير عليه لتحقيق
الطموحات والامال.