Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Sep-2017

في الأزمة الكورية - ا.د. كامل صالح أبو جابر
 
الراي - منذ عام 1945عندما تم تقاسم شبه الجزيرة الكورية بين الاتحاد السوفياتي واميركا، لم تعرف كوريا لا شمالها ولا جنوبها الاستقرار الحقيقي حيث تتصدر سياسة كل من الدولتين الشمالية والجنوبية ضرورة اعادة الوحدة الى البلاد التي لم تعرف الانقسام على مدى ثمانية آلاف سنة، ولعل لمثل هذا الاصرار على ضرورة عودة الوحدة ما يبرره نظرا للنظام الاسري الاجتماعي التقليدي بحيث ان ما يزيد على نصف سكان الدولتين الشمالية والجنوبية ينتمون الى ثلاثة اسر او عشائر كبيرة فقط وهي عائلات كيم وبارك ولي.
 
مثل هذا النظام الاسري اذا ما اضيف اليه الالتزام القوي بالعادات والتقاليد المتوارثة والمستندة الى اسس روحية تكرس عبادة الاسلاف تعزز احساس المواطن الكوري العادي بضرورة العودة الى توحيد شطري البلاد مرة اخرى. ومن الجدير بالذكر ان مؤسس دولة كوريا الشمالية وجد رئيسها الحالي وضع مسألة اعادة توحيد الكوريتين على اعلى سلم اولوياته وان هذه المسألة كانت السبب الرئيسي لمحاولته احتلال الجنوب الذي قاد الى تدخل اميركا وقيام الحرب الكورية عام 1950-1953.
 
لم تنته الحرب الكورية الى معاهدة سلام بل بقيت الامور معلقة بهدنة ابقت على حالة الحرب قائمة بين الدولتين. ما حدث منذ الخمسينيات من القرن الماضي ان سارت كل من الدولتين الشمالية والجنوبية في دروب مختلفة بحيث تطور الشق الجنوبي المتحالف مع اميركا ليصبح دولة صناعية كبرى بينما ازدادت عزلة الشق الشمالي وازداد اعتماد النظام فيها على القوة العسكرية والحكم الشمولي الستاليني.
 
صحيح ان كوريا الشمالية تتشارك مع الصين بحدود طولها حوالي 1420كيلومتر ومع روسيا بحدود تصل الى حوالي الخمسين كيلومترا ولكن تعاملهما مع جارتهما كان يشوبه الحذر ولا يصل بأي حال من الاحوال الى مقدار الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الذي تقدمه اميركا الى كوريا الجنوبية فالصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها من دول المنطقة والعالم، وكل منها لاغراضه الخاصة، تعودت على الوضع الراهن وهو بالذات الامر الذي لا تريده كوريا الشمالية ابدا والذي تسعى الى استبداله بواقع جديد ينهي عزلتها مع العالم من جهة ويسمح لها بدور فاعل في شؤون المنطقة.
 
درس الرئيس كيم جونغ اون في سويسرا حوالي الثماني سنوات واطلع فيها على البعض من تعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي الغربي وتخرج بعد ذلك من احدى اهم جامعات كوريا الشمالية، جامعة كيم ايل سونج ويتمتع بذكاء عززه تربيته في بيت حكم على يدي حياة والده وجده الداهية مؤسس السلالة كيم ايل سونج، واحسب ان ما يقوم به محسوب بدقة بالغة، يعرف بالضبط ان نزاله مع اميركا والغرب غير متكافئ ويعرف انه لا يمكن له ان يعتمد على الصين ولا روسيا كما تعتمد كوريا الجنوبية على اميركا، ويعرف ان اي تأثير له لا على صعيد المنطقة وحسب بل والعالم كذلك هو بسبب امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل والنووي والصواريخ العابرة للقارات وان اي تخّلٍ عن هذه الاسلحة يعني لا الدمار لدولته وحسب بل ولقتله والتمثيل بجثته.
 
ويعي الرئيس كيم جونغ اون ان التضحيات التي قدمها شعبه والتقشف والحرمان حتى من القوت اليومي للملايين من شعبه لا بد لها من نهاية وان سياسة «جوشي» اي الاعتماد على الذات لا بد لها من نهاية كذلك وان الوسيلة الوحيدة التي قد يتمكن فيها من ايصال صوته الى العالم هي من خلال اسلحته وسياسة حافة الهاوية التي يتبعها، كما ويعي تمام الوعي امتلاك اسرائيل للرادع النووي وتجاهلها التام لجميع قواعد العلاقات بين الدول او تجاهلها للقانون الدولي والانساني وقرارات هيئة الامم بسبب امتلاكها للقوة المستقلة حتى من الدول الغربية الداعمة لها.
 
لا اعتقد ان المزيد من العقوبات سيقود الى اي انفراج بالازمة الحالية بل قد يقود الى عكس ذلك حيث سيجبر الصين وربما حتى روسيا على الوقوف بقوة الى جانب كوريا الشمالية.
 
الانفراج فقط من خلال مفاوضات مباشرة وعلى الولايات المتحدة والصين وروسيا وبالذات على كوريا الجنوبية ان تعمل جميعها بمنتهى الجدية لاجراء مفاوضات جادة لاعادة كوريا الشمالية ومساعدتها لتصبح عضوا فاعلا ومسالما في المنطقة والعالم، اعادة تأهيلها اقل كلفة من جرها الى حرب لا يريدها احد.