Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2017

تصديق وتكذيب - د. صلاح جرّار

 

الراي - عندما ينشر أيّ شخص، مهما كانت سيرته وسلوكه وأخلاقه وموثوقيّته، خبراً أو معلومة يسيء فيها لشخصٍ أو جهة، فإننا نجد النفوس تميل إلى تصديق هذا الخبر أو هذه المعلومة حتّى لو كان واقع الحال ينفي صحتها نفياً قاطعاً، وحتّى لو كانت كلّ الأدلّة المنطقية والشواهد الماثلة تنفي أيّ احتمال لصحتها. وفي مقابل ذلك لو أنّ شخصاً ما قام بنشر خبر أو معلومة تكشف عن محاسن شخص آخر لمالت النفوس إلى رفضه وعدم تصديقه واتهام ناشره بالتزلّف والرياء وتزوير الحقائق، حتّى لو كانت المعلومة صحيحة وموثقة بالأدلّة.
 
ومعنى ذلك أنّ الخبر الذي يسيء للآخرين يجد حفاوة وترحيباً عند كثير من أبناء المجتمع، ولا سيّما إذا كان يعزّز كراهيتهم للآخرين أو غيرتهم منهم أو حسدهم لهم أو حقدهم عليهم. وقد أصبح كثير من الناس، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، قادرين على الافتراء وعلى اختلاق الأخبار وتزويرها من أجل الإساءة لغيرهم، ومن أحدث أساليب تلفيق الأخبار وتزويرها أن ينسب الخبر إلى خبير أو مسؤول أجنبي، وليس من الصعب على أيّ واحد منّا أن يركّب آلاف الأسماء الأجنبيّة، وأن يعطيها آلاف الألقاب والوظائف العليا في بلدانهم، فعند ذلك يصبح الخبر حقيقة لا تقبل الجدال وكلاماً مقدّساً لا يحتمل أيّ تكذيب أو تأويل. وهذه الصفة مشينة ومحزنة في وقت واحد في العقل العربيّ: وهي تصديق كلّ ما يقوله الأجنبيّ مهما كان مستوى تحصيله العلمي والمعرفي، ومهما كان مستواه الاجتماعي، ولا أنسى أيام كانت الأمّة تترك الإذاعات العربيّة كلّها وتتوجّه إلى إذاعة لندن للاستماع إلى أخبارها وتصديق كلّ ما يصدر عنها.
 
ولذلك فإنني أرى أنّه يمكننا أن نخرج من أزمتنا النفسية والعقلية التي أدّت بنا إلى كلّ ما نحن فيه من سوء الحال، وذلك بأن ندرك بأنّ الأجنبيّ هو مثلنا تماماً يصدق ويكذب، وأنّ كلامه ليس منزلاً ولا مقدّساً، وقد يكون كذبه أكبر بكثير من كذبنا، ويكفينا دليلاً ما فعلوه بفلسطين بسبب أكاذيبهم وما فعلوه بالعراق بعد ذلك وما يفعلونه اليوم في بلدان عربيّة كثيرة!
 
إنّ ميل نفوسنا إلى تصديق الأخبار السيئة وميلنا لتصديق كلّ ما يصدر عن أجنبيّ، هما مرضان خبيثان يحتاجان منّا إلى أن نعمل جاهدين من أجل استئصالهما من عقولنا لعلنا نتخلص من بعض أزماتنا المستعصية والمزمنة.
 
salahjarrar@hotmail.com