Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jan-2020

من فرساي إلى دافوس: مواجهة المخاطر التاريخية

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
فريدريك كيمبي* – (مجلس الأطلسي) 19/1/2020
قبل قرن من هذا الشهر، دخلت معاهدة فرساي حيز التنفيذ؛ حيث وضعت نهاية للحرب العالمية الأولى. لكن الأحلام التي مهدت لها الطريق كانت قد شرعت في التبخر مسبقاً. وكان من بينها رؤية الرئيس الأميركي وودرو ويلسون “لعالم يكون آمناً للديمقراطية” وأمله في أن تظهر عصبة الأمم لكي تحول دون نشوب الصراعات في المستقبل.
بينما يجتمع قادة العالم في دافوس هذا الأسبوع في فجر العام 2020، فإنهم يواجهون لحظة تاريخية حاسمة بالمقدار نفسه، ومجموعة مماثلة من الآمال المسحوقة. ويستطيع المرء أن يسمع الآن أصداء مؤلمة من عشرينيات القرن العشرين: إغواء أميركي بالانعزال؛ وانقسام أوروبي مرير؛ وتنامي النزعات القومية والشعبيوية داخل الديمقراطيات وسط تصاعد للاستبدادية.
كما كان الحال مع نهاية الحرب العالمية الأولى، تسببت نهاية الحرب الباردة في العام 1989 في صدور إعلانات سابقة لأوانها عن انتصار الديمقراطية. في كتابه “نهاية التاريخ والرجل الأخير” الذي صدر في العام 1992، اقترح فرانسيس فوكوياما أنه مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وصلت البشرية إلى “نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وعولمة الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل أخير للحكومة الإنسانية”.
لكن ما يعرفه قادة العالم الذين يصلون إلى دافوس الآن هو أن مسار التاريخ يصبح مُتاحاً للتغيير مرة أخرى. فالمنافسة بين القوى الكبرى على السلطة تزداد حدة، يؤججها صراع منهجي بين الديمقراطية ورأسمالية الدولة. والعالم غارق في الشك حول كيف يمكن للتقنيات الجديدة والتهديدات البيئية المتزايدة أن تعيد تشكيل عالمنا. والنظام الدولي من القواعد والمؤسسات الذي شيدته الولايات المتحدة وشركاؤها بعد الحرب العالمية الثانية يتعثر ويصبح سيئ التجهيز للتغلب على هذه التحديات.
في ملاحظات برنامج المنتدى الاقتصادي العالمي، كُتب ما يلي: “هناك 193 دولة ذات سيادة، ومجموعة مزدهرة من مراكز القوة الإقليمية، وحقيقة واحدة من حقائق الحياة تزداد وضوحاً باطراد -أننا جميعاً في هذا معاً… ونحن بحاجة إلى الانتقال من الجيوسياسات والمنافسة الدولية إلى واقع من التعاون العالمي البارع. سوف يترتب على الأمم أن تتغير”.
ولكن ماذا لو أنها لم تفعل، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً؟
كتب الفيلسوف جورج سانتايانا في العام 1905: “أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكومون بقدَر تكراره”. كان الجانب المشرق للتدمير الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية هو أن الزعماء الأميركيين والأوروبيين المُعاقبين، بعد أن شهدوا أخطاء فرساي، قاموا بعمل أفضل بكثير من أسلافهم في تشكيل المستقبل. وعلى سبيل المثال، أصبح فرانكلين روزفلت، مساعد وزير البحرية الشاب في عهد ويلسون، رئيساً للولايات المتحدة، وغرقت الأطروحات الانعزالية كلها في بيرل هاربَر.
لعل التحدي الذي يواجه قادة اليوم في دافوس هو أنهم يجب أن يتولوا الملاحة للذهاب بالعالم إلى مكان أفضل من دون ذكريات شخصية عن المستوطنات الفاشلة أو العالم الذي يغص بالكوارث التي نتجت، ويمكنها أن تفعل مرة أخرى، عن عدم وجود قضية مشتركة.
الآن، ثمة أصداء لتفاخُر موسوليني في صيف العام 1932 بأن “الدولة الليبرالية محكوم عليها بالهلاك” في إعلان فلاديمير بوتين هذا العام: “الفكرة الليبرالية المزعومة استنفدت غايتها”.
لقد تطلب الأمر حربًا كارثية خلفت ملايين القتلى، تلاها نصف قرن من التنافس الإيديولوجي بين الديمقراطية الليبرالية والشيوعية، لإثبات خطأ موسوليني. فما الذي سيتطلبه الأمر هذه المرة للرد على بوتين وأمثاله، بعد التغيير الدستوري الذي اقترحه الأسبوع الماضي لضمان قدرته على البقاء في السلطة طالما رغب في ذلك؟
لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن تعيد الديمقراطيات تجميع نفسها، وفي إيجاد وسيلة للتعايش السلمي والمنافسة السلمية مع الصين وروسيا وغيرهما. هل يمكنها أن تتفق على القواعد وإعادة تشكيل المؤسسات بطريقة لا تتخلى عن القيم الأساسية؟ ربما تكون أفضل نتيجة مأمولة هي مسابقة مطولة مع مرور الوقت، والتي تتقرر مُخرجاتها بالعلامات وليس من خلال كارثة جيوسياسية.
لأولئك الذين يتواجدون ويقررون في دافوس هذا العام، فيما يلي ثلاثة أسئلة فقط، من بين العديد من الأسئلة الأخرى التي تستحق أن تُطرح عن هذه الدراما التاريخية.
• ما هي حالة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بعد اتفاق التجارة الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي؟
عندما يتحدث الرئيس ترامب في دافوس يوم الثلاثاء، حتى بينما تبدأ محاكمة عزله في مجلس الشيوخ، من المرجح أن يولي كثيراً من الأهمية للمرحلة الأولى من اتفاقه التجاري الموقّع الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من “وقف إطلاق النار” هذا، فإن الدولتين الأكثر حسماً بالنسبة للمستقبل العالمي سوف تستمران في النمو وهما منفصلتان سياسياً واقتصادياً وتكنولوجيا. وعلى الرغم من أنها تمت تهدئة الأسواق المالية، فإن القصة الأكثر أهمية هي هذا الانفصال.
وجد وفد من مجلس الأطلسي ذهب حديثاً إلى الصين أن العديد من الخبراء والمسؤولين الصينيين يرحبون بالقيود الأميركية الجديدة على الحرب التجارية ونقل التكنولوجيا لأنها تحفز مسيرة الصين إلى تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي.
وكتب يوان يانغ في تحليل شامل لصحيفة “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضي: “تقوم بكين بتسريع مسارها نحو الاستقلال التكنولوجي الذاتي، من أجل تعزيز سيطرتها على سلسلة الإمداد الخاصة بها في مواجهة المخاطر السياسية، مثل المزيد من قرارات الحظر الأميركية”.
• هل يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تجنب حرب تجارية جديدة -وإيجاد أرضية مشتركة فيما يتعلق بإيران؟
الأخبار السارة هي أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان اقترحت الأسبوع الماضي قواعد تجارية عالمية جديدة لمنظمة التجارة العالمية، تسهدف الصين بوضوح، والتي سيكون من شأنها كبح سياسة الإعانات الحكومية التي تشوه الاقتصاد العالمي.
أما الأخبار السيئة، فهي أن إدارة ترامب تواصل النظر في تصعيد نزاعها التجاري مع أوروبا عندما يجب عليها بدلاً من ذلك أن تعمل على صياغة اتفاقية جديدة للتجارة والاستثمار.
كانت العلاقة بين ضفتي الأطلسي في قلب واحدة من أطول فترات السلام والازدهار النسبي على مدار العقود السبعة الماضية. وقد حان الوقت لإعادة تركيز الجهود الأميركية والأوروبية على إعادة شحن هذه العلاقات.
ولعل أحد الأماكن الجيدة للبدء منها هو إيران. وقد تكون إحدى النتائج الجيدة الناجمة عن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران أن خطوات إيران للخروج من اتفاقها النووي يمكن أن تؤدي إلى تعاون أوثق بين واشنطن وشركائها الأوروبيين لتقييد تلك الأنشطة والسعي إلى عقد محادثات جديدة.
• هل يمكن أن تصدم الحرائق الأسترالية المجتمع العالمي وتدفعه إلى تبني نوع من القضية المشتركة التي يروج لها دافوس؟
كتب غريغ إيب من صحيفة وول ستريت جورنال: “مرحبًا بكم في عالم لم يعد فيه التأثير الاقتصادي لتغير المناخ بعيدًا وغير محسوس. لقد شق المناخ طريقه عنوة إلى صدارة المخاوف التجارية”.
وفي الأسبوع الماضي، قال لورنس فينك، الحاضر الدائم في دافوس والرئيس والمدير التنفيذي لواحدة من أكبر مؤسسات إدارة الأصول في العالم، شركة بلاك روك، إن قضايا المناخ ستكون محركا رئيسيا للكيفية التي يستثمر بها أكثر من 7 تريليونات دولار من أموال عملائه.
ومع ذلك، بينما تأتي الحرائق على قطعة من أستراليا بمساحة بلجيكا، سيكون السياسيون أكثر من قادة الأعمال هم الذين لديهم أكبر أدوات التغيير. وعلى الرغم من الحديث المتزايد عن المناخ، فكذلك تستمر الانبعاثات في الزيادة، ومعها درجات الحرارة.
قبل قرن من الزمان، انتهى فشل قادة العالم في التنبؤ بالمخاطر المستقبلية وتجنبها في اشتعال نيران الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية. ومرة أخرى، سوف يتم دفع تكلفة الفشل على نطاق عالمي.
 
*الرئيس والمدير التنفيذي لمجلس الأطلسي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: From Versailles to Davos: Confronting historic perils