Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-May-2020

أن تكون مع اليمن فأنت ضد الحوثي والانتقالي/ياسر أبو هلالة


العربي الجديد
بعيداً عن قصص سبأ وسد مأرب والتاريخ السحيق، اليمن من أقدم البلدان العربية وجودا، وحضورا في تاريخنا المعاصر. وقد بنى اليمنيون بلدهم بعرق وجهد ودماء وتضحيات، ولم يتّكلوا على ما ورثوه من أمجاد الماضي. في الثورة اليمنية عام 1948، بنوا النظام الجمهوري، وتخلصوا من تخلف الإمامة شمالا، وفي الجنوب تخلصوا من الاستعمار ولمَوا شتات السلطنات والمشيخات، وبنوا جمهورية اتحدت طوعا مع شقيقتها الشمالية في تجربةٍ قل نظيرها عالميا.
لم يتوقف نضال اليمنيين عند الوحدة التي جيّرها علي عبدالله صالح لصالح حكمه الأسري في إمامة جديدة تفتقر للتفسير الديني. انخرطوا في الربيع العربي، وقدّموا عزيز النفوس مجدّدا في ثورةٍ سلميةٍ استعادت الجمهورية التي اختطفها صالح وآله. ولم يدر اليمنيون أن بناء الجمهورية تهديدٌ للإقليم الطامح، سواء إيران أم السعودية والإمارات. تحالف الأضداد موضوعيا لتدمير اليمن الجديد، ونبشوا هوية جديدة للجمهورية، معتمدة على إثارة غرائز الناس والاتجار بمظالمهم.
في الشمال لعبوا على "جرح صعدة"، ونفخوا في نار خلاف مذهبي خامدة. كانت إيران تعد لهذا اليوم من سنين، تدريبا وتسليحا وإعدادا، وتأطيرا فكريا وسياسيا، والسعودية والإمارات تتوهمان أنهما أذكى من إيران، وتواطأتا مع الحوثي، أملا في أن يقضي على اليمن الجديد، ويعيدا علي عبدالله صالح، أو أحد رجاله في انقلاب حفتري، وذلك تحت شعارات محاربة الإخوان المسلمين. بعيدا عن السعودية، كانت الإمارات تخطط وحدها لتقسيم اليمن، شمالٌ تضغط به على السعودية، الحليف الذي قد ينقلب في أي حين، وجنوبٌ تضغط به على عُمان، وفي قبعتها تخفي أبناء صالح وفي الجنوب جماعة المجلس الانتقالي الانفصاليين.
نجحت الإمارات والسعودية في تفكيك الجيش اليمني المواجه للحوثيين، واشترطتا تفكيك الفرقة أولى مدرّع التي تحمي العاصمة، واشتغلوا على ضباطها بالاسم، بحجّة أنهم إسلاميون. وربما يكشف المستقبل أن ذلك كان بتنسيق تام مع الحوثي الذي وجد طريقا ممهّدة إلى صنعاء. وهكذا نجح التحالف الإيراني السعودي الإماراتي في اختطاف حلم ملايين الشباب اليمني في بناء دولة عصرية.
لنتذكر روعة الثورة اليمنية التي احتكمت للحوار ولم تحتكم للسلاح، على الرغم من أن نصف الجيش معها. وظلت القبائل مستودع سلاح. لنتذكّر الأفكار المبدعة التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني في اليمن الاتحادي الذي يوازن بين الهويات الفرعية (شمالية وجنوبية وحضرمية ..) والهوية الوطنية الجامعة. الخروج الكريم لعلي عبدالله صالح في جو من العفو والتسامح، على الرغم مما اقترفه من جرائم.
من حقّ الحوثي أن يشكل حكومة إذا حقق أكثرية، ومن حقّ الانتقالي أن يطالب بإدارة ذاتية بوسائل ديمقراطية، وليس من حقهما فرض أجندة إيران والإمارات بقوة السلاح. في مؤتمر الحوار الوطني طرحت كل الأفكار، وتم التعامل معها بنزاهة وموضوعية، ووضعت آليات للتطبيق. ذلك هو ما منع تفرّد طرف بالسلطة، بقدر ما منع التدخل الأجنبي وصولا إلى الاحتلال.
لذلك أيد الحريصون على اليمن "عاصفة الحزم"، عملا عسكريا لاستعادة الدولة المختطفة، من عصابةٍ مذهبيةٍ مسلحة مدعومة من إيران. ولكن يبدو أنها لم تكن إلا جزءا من فوضى أصحاب النيات الحسنة وارتجالهم، ومكر أصحاب النوايا السيئة وتدبيرهم. وبالنتيجة، جيّرت الإمارات العاصفة لصالح أجندتها، سواء بتواطؤ السعودية أو جهلها. بقيت تعز تحت الحصار إلى اليوم، وباسم التحالف تقصف مقاومتها وتُحاصر ويعتقل رجالها. ويطحنون بين ناري الحوثي والانتقالي.
تكشفت المؤامرة، ولم يبق غير تفاصيل لا تغيّر طبيعة المشهد. أنتج الصراع الإقليمي على اليمن بلدا مفكّكا يعيش أكبر كارثة إنسانية، وهو اليوم يمرّ بأخطر مرحلة في تاريخه، فالأطراف المنهكة قد تتفق على تقاسم اليمن. ويتحوّل إلى مناطق نفوذ إقليمي يقوده أمراء حرب يموّلون ويسلحون يتصارعون ويتصالحون وفق المعادلة الإقليمية.
يبقى الأمل محصورا في شباب اليمن الذين حرّر أجدادهم في الشمال والجنوب البلاد من الاستبداد والطغيان والاحتلال الأجنبي، وتمكّنوا في ثورتهم من الانتصار على صالح وترسانة سلاحه وأجهزته، هم ذاتهم قادرون على تحرير اليمن من خاطفيه في الشمال والجنوب.