Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Oct-2015

أوروبا واحدة أم أكثر؟*كمال درويش

الغد- كانت الأزمات الاقتصادية التي واجهها الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس الماضية سبباً في تغذية الانقسام العميق بين الدول الدائنة في الشمال والدول المدينة في الجنوب. والآن، تعمل أزمة المهاجرين في أوروبا على خلق انقسام جديد بين الشرق والغرب؛ بين البلدان التي ترحب بالتدفق المستمر من اللاجئين، وتلك التي تريد أن تقدم أقل القليل، أو لا شيء، للمساعدة. وإذا أضفنا إلى ذلك الانقسامات السياسية المتنامية داخل البلدان الأعضاء، فينبغي لنا أن نسأل أنفسنا: هل بدأ الاتحاد الأوروبي بالتفكك؟
لقد تجلى الانقسام بين الدائنين والمدينين في أوضح صوره هذا الصيف، خلال المفاوضات حول اتفاق إنقاذ اليونان الثالث. فقد اتهِمَت ألمانيا، النصير الرئيسي للتقشف والدائن الأكثر نفوذاً، بالافتقار إلى المرونة وحس التضامن؛ ومن جانبها، انتُقِدَت اليونان بسبب فشلها في تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بتنفيذها في أول خطتي إنقاذ. (كانت فرنسا، التي ليست "شمالية" بالكامل وليست "جنوبية" بالكامل، هي التي لعبت الدور الحاسم في تسهيل التوصل إلى الاتفاق).
الآن، تحاول ألمانيا حمل لواء الريادة في مواجهة أزمة المهاجرين، وإنما بسخائها هذه المرة. فقد تعهدت المستشارة أنجيلا ميركل باستقبال أكثر من 800 ألف مهاجر هذا العام فقط. وقد اصطفت الجماهير المرحبة في الشوارع وملأت محطات القطارات في المدن الألمانية، لتقديم المشروبات والأطعمة والملابس للاجئين المنهكين، الذين سار العديد منهم مئات الأميال وخاطروا بحياتهم للوصول إلى بر الأمان.
في حين أعلنت ميركل بقوة أن الإسلام أيضاً هو أحد أديان ألمانيا، أعلن البعض في أوروبا الشرقية أنهم سوف يرحبون فقط بعدد قليل من اللاجئين -وفقط إذا كانوا من المسيحيين. ويصب هذا التعصب الأعمى بشكل مباشر في مصلحة المتطرفين الإسلاميين في مختلف أنحاء العالم.
إن أزمة اللاجئين تصبح أكثر صعوبة في ضوء الانقسام السياسي الداخلي بين بلدان الاتحاد الأوروبي. ففي حين يؤيد أولئك في اليسار القبول الحذر باللاجئين، فإن كل خطوة في اتجاه اليمين تجعل الموقف أكثر سلبية. وحتى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب البافاري الشقيق لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه ميركل، أثبت كونه شريكاً ممانعاً في هذا المجال.
وهناك أيضاً الانقسام بين المملكة المتحدة وبقية الاتحاد الأوروبي. فنظراً للدور الذي تلعبه المملكة المتحدة، إلى جانب فرنسا، باعتبارها قوة أساسية في الدفاع الأوروبي وسلطة لا يستهان بها في الشؤون الدولية، وخاصة فيما يتصل بالمناخ والقضايا المرتبطة بالتنمية، فإنه يجب أن يكون احتمال الانقسام مصدراً للقلق الحقيقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
لقد خلقت هذه الانقسامات شكوكاً عميقة حول حلم الاتحاد المتزايد بالتقارب في أوروبا، والذي يرتكز على نظام مشترك للحكم، يسمح باتخاذ القرار بطريقة أكثر فعالية. وعلى نحو مماثل، تحول هذه الانقسامات دون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحفيز النمو الاقتصادي.
على الرغم من ذلك، يبقى من السابق للأوان أن نستبعد احتمالات التقدم نحو زيادة التكامل الأوروبي. وعندما يتعلق الأمر بتماسك الاتحاد الأوروبي، فإن المزيد من الانشقاقات ربما يكون أفضل من انقسام واحد.
عندما كانت الاعتبارات الاقتصادية وحدها تهيمن على المناقشة، كان شمال أوروبا المهووس بالتقشف غافلاً عن أي اعتبارات كينزية (تتفق مع نظريات جون ماينارد كينز)، في حين كان جنوب أوروبا، الذي هو في أمس الحاجة إلى فسحة مالية لجعل الإصلاحات البنيوية المعززة للطلب والداعمة لخلق فرص العمل ممكنة سياسياً، في خلاف شديد. ثم أصبح الموقف شديد السخونة إلى الحد الذي جعل بعض المراقبين المحترمين يقترحون إنشاء "يورو شمالي" للمنطقة المحيطة بألمانيا، و"يورو جنوبي" في منطقة البحر الأبيض المتوسط (ولم يكن من الواضح إلى أي من المنطقتين قد تنتمي فرنسا).
في منطقة يورو بهذه المواصفات، فإن البنك المركزي الأوروبي كان لينقسم إلى قسمين، وكانت قيمة اليورو في الشمال سترتفع، وكان عدم اليقين بشأن سعر الصرف سيعاود الظهور، ليس فقط بين هيئتي اليورو، بل وأيضاً وقبل فترة طويلة، في داخل المنطقتين "الشمالية" و"الجنوبية"، بالنظر إلى انهيار الثقة في فكرة اتحاد العملة في ذاته. وفي داخل الكتلة الشمالية، سوف تلعب ألمانيا دوراً أكبر حجماً من الذي تلعبه الآن، وهو الوضع الذي سيعمل على توليد توترات جديدة.
على نحو مماثل، كان الانقسام الواضح بين الغرب المرحب باللاجئين والشرق المغلق سيعمل بشكل فعّال على إنهاء اتفاقية الشنغن، لأن الخلاف السياسي كان سيتطور إلى حاجز مادي يعرقل الحركة الحرة للناس داخل الاتحاد الأوروبي. وما كان مثل هذا الانقسام ليقل تدميراً لتماسك أوروبا عن منطقة اليورو المقسمة.
ولكن، ماذا لو كانت البلدان التي هي على طرفي نقيض من انشقاق ما على الجانب نفسه من انشقاق آخر؟ ربما تتفق ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والسويد على قضية الهجرة، في حين تتفق اليونان وفرنسا وإيطاليا والبرتغال على سياسات الاقتصاد الكلي في منطقة اليورو. وربما تكون فرنسا وبولندا والمملكة المتحدة راغبة في زيادة الإنفاق على الدفاع، في حين تظل ألمانيا أكثر مسالمة. وربما تكون ألمانيا والدول الإسكندنافية والمملكة المتحدة في طليعة الكفاح ضد تغير المناخ.
وعلاوة على ذلك، ربما تتحالف "الأسر" السياسية على نطاق أوروبا من الديمقراطيين المسيحيين، والديمقراطيين الاجتماعيين، وما إلى ذلك، حول بعض السياسات، وتتخاصم بشأن سياسات أخرى، فتتجاوز الحدود الوطنية أو الإقليمية، وتتحرك نحو سياسية تشمل عموم أوروبا، مع زيادة البرلمان الأوروبي لمناظراته الديمقراطية ووظائفه الإشرافية.
إن أوروبا لا تُصنف فيها الدول بشكل تام في فئة أو أخرى، وحيث تنشأ التحالفات المرنة حول قضايا متنوعة، ربما تنال فرصاً للتقدم أكبر من أوروبا المنقسمة ببساطة بين الشمال والجنوب أو الغرب والشرق. وبطبيعة الحال، يظل هناك التحدي المتمثل في تعزيز المؤسسات حتى يتسنى لها إدارة هذا التنوع والتوفيق بينه وبين الفعالية السياسية. وهنا يصبح تصويت الأغلبية المزدوجة حاسماً. ولكن، في المجتمعات الديمقراطية حقاً، يظل التحدي المتمثل في التوفيق بين المصالح المتعارضة قائماً دائماً وأبداً.

*وزير سابق للشؤون الاقتصادية في تركيا، ومدير سابق لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ورئيس سابق لمعهد بروكينغز.
*خاص بـالغد، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"، 2015.