Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Dec-2018

الكرسي .. - عبدالهادي راجي المجالي

الراي -  استفزتني صورة أول أمس , ربما التقطت في بداية العام (2003 (لمراسل أجنبي زار غزة , وهي للشيخ أحمد ياسين ..على كرسيه ومجموعة من أطفال غزة يسيرون به إلى المسجد , ويتهافتون من يقود كرسي الشيخ المقعد ..بعضهم يمازح الشيخ , وبعضهم أعجبه الكرسي وقرر (دفشه) والشيخ ياسين يوزع عليهم الإبتسامات فقط ...وقد استسلم لفرحهم , وربما دخلت السعادة قلبه في ذلك الوقت ..لأن أطفال غزة , استطابوا كرسيه ..وأعجبهم أن يسيروا به إلى المسجد من دون موكب كما قادة الأحزاب العربية , من دون حرس شخصي كما هم قادة المليشيات في العالم العربي ..من دون شيء سوى ضحكات الشيخ ولعب الأطفال ...والطريق المليء بالتراب والحفر , وعجلات الكرسي التي تنغرس بين شقوق الصخور , ويتطوع طفل من غزة لانتشالها ..والشيخ مستسلم فرح وربما كان يمازجهم في الطريق ..وهو يدرك أنهم وجدوا في خدمته ..طاعة الله , وفي كرسيه الأغر والأكبر من كل المناصب لعبة يلهون بها ...

استفزتني تلك الصورة , ولو عاد الزمن بي لتمنيت يا شيخ النضال كله أن أقود كرسيك مع ثلة الأطفال إلى المسجد , ونصلي معك ..ثم نسير بك في شارع عمر المختار , وتخبرنا كيف نهض التراب ذات يوم ..وقرر أن يسير على نهجك ويقاتل ثم يقاتل ثم يقاتل ..ويستشهد ...أحمد ياسين علم التراب أن يستشهد.
لم تكن تحتاج لموكب , كي يحميك ...ولا لحرس شخصي , لم تكن تحيط بك سيارات مصفحة , تطلق زواميرها والأضواء في وجه الناس ..لم تكن تحتاج لفريق من الحراسة مدججين بمسدسات دقيقة التصويب ..كنت تحتاج فقط للأطفال كي (يدفشوا) كرسيك صوب المسجد , وتفرح لضحكاتهم وهم يفرحون ..لسؤالك عن أعمارهم وكم حفظوا من القران , وكم أجادوا نصب الفعول به وجر المضاف .
أحمد ياسين اصيب في السادسة من عمره بالشلل التام , ويقولون أن لسانه هو الوحيد الذي لم يصب بالشلل , وتلك مقولة خاطئة تماما ...بل هو إيمانه الذي تجذر وصار صلبا ...هو الإيمان وحده الذي لايصاب بالشلل .
إن الصبية الذين كانوا , يتهافتون على (دفش) كرسيك نحو المسجد ..هم الان يتهافتون , على نصب الصواريخ ..وعلى تلقيم البندقية , وعلى فنون الإقتحام على الأقل لم تتغير القيم ...لم تنبطح غزة (للسوشيال ميديا) , ولا لتيارات ليبرالية أو تكنوقراط ...لم تتحالف غزة أبدا , مع ربطات العنق الفاخرة والعطر الفرنسي , ولم تقم ببناء الأحياء الراقية ...ولايوجد فيها مجتمع للشركات ....ومجتمع اخر للمنظرين باسم الخراب ..
ماحدث أن الذين عاشوا زمنك وكانوا أطفالا , مازالوا للان يقودون كرسيك المدولب والذي كان يحمل جسدك المتعب ...مازالوا كل يوم يقودونه للمسجد ومازالت شوارع غزة هي ذات الشوارع مليئة بالحصى, وكلما دخلت العجلة بين شقوق التراب , نزل شاب إلى التراب وترفق في رفع العجل ..لأنه يدرك أنك علمت التراب هناك ..حتى التراب أن يقاتل ثم يقاتل ثم يستشهد .
نحن أحوج ما نكون لأن نسترد قيمنا في العروبة والدين , لا أن نعتدي على القيم باسم (السوشيال ميديا) باسم الليبرالية , باسم تمييع الوجود ....وها أنا خارج من منزلي , لن أقود سيارتي هذا اليوم ..ولكني سأتخيل أني أقود كرسي الشيخ الشهيد ...ويعلمني تفاسير ايات القران , ويختبرني في نصب المفعول ورفع المضارع ..ويسألني عن قرى فلسطين والزيتون .
Hadi.ejjbed@hotmail.com