Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Jun-2019

٨٩،٣٤٢ قبلة على جبين عبد الله الثاني*باسم سكجها

 الراي-لعلّ اللقاء الأوّل للملك عبد الله الثاني بعد جلوسه على العرش كان معنا نحن الصحافيين، ولا ننسى زميلنا الأستاذ أيمن الصفدي، وهو يُقدّم الحاضرين واحداً واحداً لجلالته، ولا ننسى، أيضاً، الرسالة الملكية الأولى لنا: اكتبوا ما تشاؤون، ولا تأبهوا لمعوّقات قد تواجهونها من بعض المسؤولين، واعتبروني حاميكم.

 
كنّا قد تحدّثنا عن المبالغة الرسمية في تحويل الزملاء إلى القضاء، وشكونا أمرنا للملك باعتبارنا لا نجد وقتاً للعمل مع وجودنا في المحاكم عدة أيام في الأسبوع، فسارع جلالته إلى الدقّ على صدره، وقال: «ما يهمّكم سنجد حلاً سريعاً»، وفي الأسبوع التالي صدر قانون العفو العام الذي شطب عنّا كلّ القضايا، وصارت صفحاتنا بيضاء.
 
كان الملك، في تلك الأيام، يؤسس لعهده الجديد، وبدا أنّ الأمر الملحّ هو دراسة علمية متأنيّة لكلّ ملفات القطاعات الرئيسية، وسرعان ما شكّل المجلس الاقتصادي الاستشاري الذي ضمّ كفاءات مشهوداً لها أداء وخبرة، وبعودة سريعة إلى مخرجات المجلس، الذي شكّل بدوره لجاناً متخصصة، يمكن تلمّس معالم خريطة الطريق التي سار عليها الأردن في العهد المتجدّد، وإذا كان للأرقام الصمّاء أن تتحدّث فستؤكد أنّ شكل البلاد قد تغّير نحو الأفضل، وأنّ مساحة الحركة كانت تستغرق كلّ الجغرافيا الأردنية: ٨٩،٣٤٢ (تسعة وثمانون ألفاً وثلاثمئة وإثنان وأربعون كيلو متراً مربّعاً) جبالاً وودياناً وبادية وأغواراً، وأنّ العمل الكبير بصمت أكّد أنّه أفضل من مليون شِعار وشِعار.
 
ولكلّ منّا شهادته الشخصية عمّا جرى في السنوات العبدلية العشرين، ولا نتحرّج من الكلام الشخصي عن الملك، فهو يحمل معه كلّ الهموم العامّة، ولا أبوح بسرّ حين أقول إنّني حضرت عشرات الجلسات والزيارات الميدانية للملك عبد الله الثاني في أنحاء البلاد، منذ تولّيه الحُكم وحتى ما قبل قليل من السنوات، وحين نقلت مكتبتي الشخصية من مكان إلى آخر، عثرت على عشرات الصور التي أتشرف فيها بالسلام على جلالته.
 
وأستطيع القول إنّني أعرفه، وفي قليل القليل فأنا أدّعي الآن أنّني أعرف شخصيته، وكما كان لي أن أجلس إلى جانب والده الحبيب الراحل الحسين الغالي، على مائدة غداء مصغّرة في الديوان الملكي وغيرها الكثير، فكان لي ذلك الشرف مع ابنه في «بيت البركة» وهو بيت صغير على سفح جبل فحيصي، ولكنّ الأمر اختلف بين هنا وهناك، ففي الأولى كُنت مثل الابن الذي يهاب أباه الساحر في شخصيته، فيتعلثم في الحديث، وفي الثانية كُنتُ مثل الأخ الذي يتحدّث بطلاقة أمام ملك يُريد له أن يبوح دون وجل، أو خجل.
 
أتذكّر أنّنا كنّا في مكتبه في بيته في العقبة، حيث أوّل اجتماع يهدف إلى دراسة تحويل المنطقة إلى «خاصة»، لمّا أخطأ المسؤول الأول هناك وهو يقرأ عن الخريطة، فقال، وهو يؤشّر بالسهم إلى «الجيشية»: «الحبشية»، وذلك ما أوصل إلى اقالته خلال أيام، لأنّ الملك عبد الله الثاني كان خدم عسكرياً هناك، ويعرف الإسم من قلبه، فكيف لذلك الذي سيتولى مسؤولية إعادة انتاج المنطقة، وهو لا يعرف إسم المنطقة؟!
 
أتذكّر، أيضاً، أنّنا كنّا في «بيت الأردن»، حيث بيته الجديد، وكان هناك أركان الدولة الأردنية بعد أيام من الخطاب الشهير للملك أمام الكونغرس، وافتتح جلالته الجلسة بالقول: لا أحبّ أن أسمع إشادات الآن، بل أتمنى أن أسمع تقديركم للموقف، لأنّ هناك ضغوطاً ستمارس عليها وخصوصاً لأنّني ركّزت هناك على القضية الفلسطينية، فتحدّث أمام سيدنا هؤلاء في كلام عاديّ يسمعه في كلّ يوم. رفعت يدي طالباً الحديث، فسمح لي من فوره، وقُلت ما لم يعجب أغلبية الموجودين، ومنه إنّنا نضع الذخيرة في مسدسات الضغوطات الخارجية حين تكون لدينا أخطاء، ولو صغيرة فيستخدمونها ضدّنا بخبث، وعددت المسائل، ولا أنسى أنّ جلالته سمح لي بالاستطراد والشرح أكثر من عشر دقائق، وبدا على لغة جسده الموافقة.
 
لديّ، ولدى غيري، العشرات من الأمثلة التي كنّا شهوداً عليها، وأحياناً مُشاركين فيها، وهناك منها الكثير عن محاربة الفساد، وتطوير القوانين المتعلقة بها، ولأنّ الشهادة أمانة فإنّ الملك عبد الله الثاني مستمع جيّد، وأكثر من ذلك فهو يستفزّ الآخرين للقول والحديث بحريّة، واليوم ونحن نحتفل به وبالسنة العشرين على جلوسه على العرش، نطبع على جبينه ٨٩،٣٤٢ قبلة بمساحة المملكة الأردنية الهاشمية، ونقول له: كلّ عام وأنت والبلاد والعباد بألف خير.