Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2017

قرأت كتابين غير مهميْن - د. زيد حمزة
 
الراي - في الاسبوع الماضي قرأت كتابين قديمين قيل لي إنهما مهمان فلم اجدهما كذلك رغم أن مؤلفْ الأول كان صحفياً (مهماً) والثاني سياسيا (مهما) ! لكني وجدت الكتابين يستحقان التعليق لأنهما يمثلان في نظري نوعين من الكتب ما زالا يحتلان مساحة لا يستهان بها من عالم التأليف الادبي والصحفي ولقد حان الوقت لأن يجري التصدي لهما بالنقد لدفعهما نحو الالتزام بالأمانة والصدق في حمل شرف الكلمة.. ومن ناحيتي سوف احاول تجنب الانحدار في منزلق الاثارة أو اسقط في فخ تلميحات الاحاجي التي تشي باسم وهوية المؤلف وكتابه فذلك في تقديري يدخل في باب النميمة والثرثرة والغمز واللمز واشغال القارئ بما ليس فيه جدوى تذكر ولا نفع يعم.
 
الكتاب الأول يتحدث عن شخصيات سياسية مشهورة كان لها دور في الأحداث الكبرى التي وقعت على مدى القرن الماضي في دول المنطقة لكن مأخذي عليه أنه سلك في السرد والوصف والتحليل الطريقة التي كان رائداها قبل سبعين عاماً الصحفيان المصريان التوأمان مصطفى أمين وعلي أمين اللذان تدربا في مدرسة الصحافة الاميركية ومولتهما مؤسسات معروفة مشبوهة في انشاء واحدة من اكبر الدور الصحفية العربية في ذلك الزمان، دار اخبار اليوم وهي طريقة لا أنكر البتة انها جذابة تغري بالقراءة لكنها في النهاية لا تقدم للقارئ ما يثري معرفته ولا تقدم للتاريخ وقائع وحقائق تصلح لان تكون مراجع موثوقه للباحثين والدارسين، لا بل تنم عن موقف انتهازي من الذين تحدث الكاتب عنهم وعن سياستهم وهو يرويها باسلوب مسرحي جذاب يوحي بأنه كان احد شخوصها أو كان صديقا لبعض من قاموا بدور هام فيها ربما تزلفاً لهم وطمعاً في مالهم، او يوهم بأنه كان يضمر العداء لمعارضين سياسيين استدراراً لرضى حكوماتهم فقد يحتاج لحمايتها ونفوذها!
 
صحيح أن هذا النوع من الكتابة الصحفية والادبية وإن كانت ما تزال مستخدمة هنا وهناك إلا أنها آخذة بالانحسار على الصعيد العالمي أو في طريقها الى الاختفاء بالهبوط الى مستويات لا تقبل بها المكتبات التي تحترم قراءها، وذلك بعد انكشاف خوائها وهزالها أمام انماط جديدة من التحقيقات الصحفية الجادة الجريئة وعلى رأسها الصحافة الاستقصائية التي يبذل اصحابها جهوداً شاقة في الحصول على معلوماتها ويصمدون عند مواقفهم تجاه احداثها ويتحملون نتائجها القمعية التي قد تصل حد السجن او الاختفاء القسري !
 
أما الثاني فمن كتب السير الذاتيه التي لم ترتق غالبيتها في بلادنا بعد الى مرتبة المذكرات التي نقرؤها للسياسيين في بلاد أخرى عديدة وفي مواقع أشد حساسية وحرجاً حيث يطرحون بشجاعة ما عايشوه من احداث ويعترفون من خلالها باخطائهم خدمة لاوطانهم وعبرة للآخرين، كما أنه، أي الكتاب، لم يخرج عن دائرة معظم المذكرات المشابهة عندنا التي عادة ما تفيض بنفاق مؤلفيها وتملقهم للمسؤول الكبير مادام في سدة الحكم وتغص بمدحهم لذواتهم والادعاء بأن كل ما فعلوه كان صائباً وحكيماً، وفي نفس الوقت نسبة البطولات لانفسهم والقاء تبعات ما جرى في البلاد من ويلات أو مآسٍ على الآخرين وهو ما قد يكون منافياً تماما للحقيقه فيضع الاجيال اللاحقة في حيرة من امرها حين تتطلع لقراءة محايدة متوازنة لتاريخ وطنها ومواقف قادته في شتى المراحل.
 
وبعد.. ليس القصد من حديثي اليوم عن هذين الكتابين الدعوة للتخلي عن الكتابة الصحفية المشوقة بل استخدام فنونها في المزيد من التشويق الصادق النبيل للوصول الى قلوب القراء وعقولهم، وليس القصد منه كذلك التأليب على الكاتب والحد من حريته في اختيار اسلوبه الابدعي بل حضه على ابتهال هذه الحرية في بلوغ هدفه بيسر وأمان، كما أنه ليس دعوة للنكوص عن كتابة المذكرات أو التأريخ لبعض الاشخاص والاحداث بل على العكس من ذلك الحثٌ على المضي فيهما شريطة التحلي بالشجاعة مع الذات، والامانة في نقل الوقائع بموضوعية.. وإلا فلا داعي لمزيد من التزوير الذي يملأ مكتباتنا ويرفضه أدب الكتابة ويلفظه التاريخ نفسه.