Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Mar-2018

تحية لكل أم لم يهزمها الفراق والحزن - كوكب حناحنة
 
الغد- من على حافة الابتعاد، تنظر بعينيها اللتين أدماهما رحيل فلذة كبدها المفاجئ، تلوح بيدها وبحنان يلهج بالدعاء إلى ديار اشتاقت لرائحة من سكنوها، تستذكره هي في "يوم الأم" وكيف درج على حدود مشاعرها منذ أن بدأ يحبو تجاه الحياة، ترمقه بخوف وعطف لا يضاهيهما شيء.
هي لم تتجرع الأسى بل أرخت نفسها له، وراحت تصيغ من جديد حكاياته اليومية، وتنحت في ذاكرتها أنه الغائب الحاضر في وجدانها ما دامت تتنفس الهواء، وما دامت شرايينها تنبض.
هي تفقد برحيله معاني البر التي تتجلى في يوم كهذا، كانت تنتظره وهو محمل بعطر الهدايا وأريج الزهور وبسمته تعلو كل شيء، مطبقا على قلبه بوعد إسعاد "الغالية" ما دام حيا، وحاله تفضي بفيض من مشاعر لم تعهدها هي من قبل.
كيف لا يكون هذا من ابن لم يعرف مع أمه إلا البر ذاته، فهي الحلم الذي لا نود جميعا أن تكتمل تفاصيله الحلوة بعد، هي نسمة الهواء الصيفية تلك التي تعانق بزهو براعم الحياة التي تتفتح على أغصان أرض الخلود، هي تلك الرائحة العابقة التي لم يستطع كل ابن تفسيرها حتى اللحظة.
إنها الأم التي تتجاز حدود الأمكنة في عواطفها الغريزية، التي لم تشوهها مصالح الزمن وتقلبات مفرداته حسب وجهة الرغبة والحاجة بعد، هي الراسخة والشامخة في القلب، شموخ يتطاول على أركان الطيبة كل لحظة وساعة ويوم، تسمو مع الروح، وتتعالى على كل ما يكدر صفو حياة الأبناء بعنفوان وحنان، تتصدى لكسرات الزمان وعثراته بلمسة عطف فتذيب جمود الحياة وصعوباتها.
هي الوالدة؛ التي تغزل تفاصيل أبنائها بإبداع مع كل نفس يتنفسونه، تطبع بصمتها الأزلية على جدران شغفهم، كي يكونوا هم المحبين دوما للحياة، كي تتصالح معهم وتطبق عيونهم على سطور العثرات التي قد تعترضهم.
كل يوم تتعالى دعوات الأمهات من كل بيت، فتلتقي في حدود السماء حتى ترد الأقدار، وتحط الأوزار من ثقل وهم عن جباه الأبناء، هن ينسجن بحرص حروف الكلمة التي تزركش أيام فلذات أكبادهن بالحب والوئام، ويرفعن أكفهن إلى الله كي يفرش لهم الورد والدحنون على مد مسار رحلتهم.
تتفنن أمي والأمهات بطريقة الدعاء، فتنساب الكلمات من القلب، كإبداع شاعر راح يخط كلامه الموزون في قصيدة مدح لا يروض معانيها لحاجة القافية.
أمهات وطني، رغم الألم والمرارة من قسوة العيش والتقادير، ما تزال الأيام موصولة بعطفهن، لا يعرفن حدود العطاء، ولا يتوقفن عند إخفاق ابن في رد الجميل إليهن، فتجدهن يبحثن عن ألف مبرر يصغنه بحرفية كي يقنعن من حولهن لا أنفسهن المقتنعة مسبقا بأنه المحق في كل ما يقول ويفعل.
عطر الجنة إلى كل أم ربت وكبرت وعلمت وقاست وفرحت وحزنت في مسيرة التربية المتعبة المفرحة في الآن نفسه، وتحية تقدير لكل أم زفت أبطالا فداء لعيون الوطن، ولكل أم عرفت معنى الأمومة وكانت نعم المثل والقدوة لأبنائها.