Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Apr-2017

أحفاد «بلفور» لا يعتذرون.. يَفخَرون ويَحتفِلون! - محمد خروب
 
الراي - حسمت حكومة تيريزا ماي الساعية لـِ»الظَفَر» بلقب «ثاتشر الثانية»أو»المرأة الحديدية» الجديدة, حسمَت الجدل الذي اثارته حملة التوقيعات الشعبية التي نظّمتها منظمات المجتمع المدني والهيئات الشعبية داخل بريطانيا نفسها, والتي رمت الى جمع تواقيع اكثر من مائة ألف توقيع, ما يُجبِر الحكومة على مناقشة موضوع المذكرة أمام مجلس العموم البريطاني وهو امر (لو تم) لكان سجّل سابقة, وربما أجبر الحكومة القائمة على تقديم «الإعتذار»عن هذا الوعد الاستعماري الذي لم يكن له اي سند قانوني أو اخلاقي, سوى تواطؤ المستعمِرين البريطانيين مع رموز وقادة الحركة الصهيونية,فضلاً عن النفوذ اليهودي المتنامي داخل بريطانيا قبل صدور الوعد وبعده, وبخاصة مع تفكك الدولة العثمانية وتراجع البريطانيين عن وعودهم لشريف مكة بالعمل على توحيد «المناطق» العربية, اسهمت كلها في اصدار بلفور لوعده المشؤوم,الذي تنطوي, في الثاني من تشرين الثاني هذا العام, مائة عام على صدوره.
 
نقول:حسمت الحكومة البريطانية موقفها من دعوات الإعتذار, بِإصدارها بياناً يفيض نفاقاً وغطرسة, وخصوصاً تجاهلاً مقصوداً للعرب اجمعين,واستهتاراً بمشاعرهم.عبر صياغة استفزازية لبيان نحسب أنه كُتب من خلال القراءة البريطانية الاستعمارية المعروفة للراهن العربي,الذي يعتريه الإنقسام وانعدام الفاعلية وغياب أي نوع من «الوحدة» أو القراءة الواحدة أو المشتركة لأي معضلة عربية, وخصوصاً القضية الفلسطينية التي باتت نهباً لقرارات عربية متناقضة, تسعى في معظمها الى التقارب «العلَنِي» مع اسرائيل,بعد أن طغت التفسيرات المتهافتة عن مشاركة تل ابيب في مواجهة الخطر الذي تُشكِّله دولة اقليمية معينة, باتت اكثر خطورة من الخطر الصهيوني,الذي لم يتوقف عدوانه على العرب تاريخاً وحضارة وحقوقاً...بل وجوداً, على القاعدة المعروفة التي يريد بعض العرب الطمس عليها وهي أن «الصراع مع اسرائيل والصهيونية هو صراع وجود وليس مجرد صراع حدود».
 
الحكومة البريطانية في بيان صدر قبل ثلاثة ايام, رفضت تقديم اعتذار «رسمي» عن وعد بلفور, وهي بدل الاعتذار, اعربت في شكل صلف ووقح عن «افتخارها» بتأسيس «دولة اسرائيل», ولم تتردّد في وصف الوعد, بأنه «بيان تاريخي», بل مضت قدماً في محاولة صرف الأنظار عن موقفها المخزي واستناداً ربما الى فهم المستعمرين البريطانيين العميق للعقلية العربية الى القول: إن المهمة الراهنة تتمثل في تشجيع الخطوات التي تقود نحو السلام.(أي بعبارة أوضَح.. دعكم من حكاية الإعتذار «الذي لن يتم» واستدرِكوا امورَكم لإنقاذ ما يمكنكم إنقاذه».
 
لم تقف «التوضيحات» البريطانية عند حدود رفض الاعتذار, بل تعدّتها الى ما هو أبعد من ذلك وأسوأ,عندما شرح البيان ملابسات صدور «وعد بلفور» والذي تؤكد فيه حكومة تيريزا ماي..»الروابط» التي كانت لليهود في «وطنهم» والتي جاءت على النحو التالي: كُتِب الاعلان في سياق «تنافس عالمي» بين القوى الامبريالية, وفي عز الحرب العالمية الاولى, وفي المراحل الاخيرة لتهاوي الامبراطورية العثمانية, وفي ذلك السياق – يُضيف البيان – كان تأسيس وطن لليهود (على الأرض) التي كانت لديهم بها روابط تاريخية ودينية قوية,امراً(صائباً واخلاقياً),ولا سيّما في مواجهة قرون من الاضطهاد (كذا)..
 
تقول الرواية(إقرأ الهرطقة)البريطانية الجديدة القديمة:لم يكن هناك شعب فلسطيني,بل هي مجرد «ارض».وفي ذلك تكريس للمقولة الصهيونية الإستعمارية المعروفة والتي ما تزال قيد التداول: بِأنها ارض بلا شعب,حتى ان «مُفرَدة»شعب, لم ترِد في بيان حكومة تيريزا ماي, حيث جاء فيه ايضاً... استِطراداً: بطبيعة الحال, فإن أي تقييم شامل للإعلان وما تلاه من تبِعات, يظل من اختصاص الباحثين في التاريخ».هي اذاً في رأي أحفاد بلفور الحاليين, مجرد «دراسة حالة» تاريخية ينهض بها المؤرخون وليس الساسة, وخصوصاً وفق ما جاء في العبارة «التوضيحية» التالية التي وردت في البيان «منذ عام...1917 تغيّرت كثير من الاشياء في العالم, ونُدرِك (...) ان الإعلان, كان يجب أن يدعو الى حماية (الحقوق السياسية) للسكان غير اليهود, ولا سيما حقّهم في تقرير المصير».(ماذا عن الآن؟..لا شيء).
 
هل ثمة اكثر وقاحة وصلفاً وانكاراً للحقائق,يمكِن ان ترِد في بيان لحكومة, تدّعي انها ديمقراطية, «تقرأ» في وعد كُتِب في اواخر العام 1917, لم يكن هناك «يهود» في فلسطين يزيد عددهم على بضعة الوف, فضلاً عن أن تلك «الارض» كانت تحمل اسم «فلسطين»وكان المستعمِرون البريطانيون الذين انتدبوا انفسهم بالقوة لإدارتها يستخدمون»لفظ» فلسطين.. لتعريف قطعة الأرض تلك؟
 
قراءة كامل البيان,الذي يؤكد يهودية فلسطين, ويدعو العرب –خصوصاً الفلسطينيين – للإعتراف بالأمر الواقع والتفكير في ما هو «اهم»وهو(التطلُّع للمستقبل وإقامة الامن والعدل,لكل من الاسرائيليين والفلسطينيين)»انتبهوا للترتيب وما يستبطنه ذلك, بِأن الاسرائيليين اليوم حالهم كحال الفلسطينيين,يفتقدون.. الأمن والعدل).
 
هل بعد ذلك يُمكن للفلسطيني أو العربي, ان يثق بأن خلف هذه الرطانة الاستعمارية الفظّة,ما يدعوه للتفاؤل؟ أو الامل بأن تغييراً ولو طفيفاً سيطرأ على مواقف احفاد بلفور من المستعمرين البريطانيين وحلفائهم خلف الاطلسي؟ بل «يجب» ان لن نُفاجَأ أو تُصيبنا الدهشة,اذا ما احيا أحفاد بلفور ومعسكَر المُتصهينين,الذكرى المئوية لوعد بلفور وشاركوا الصهاينة احتفالاتهم الصاخبة التي يستعدون لإطلاقها في معرض احتفالهم بمرور نصف قرن على «تحرير»القدس.
 
ذات مرة قال الرئيس السابق «الفرنسي المتأمرِك» نيكولا ساركوزي جواباً على مُطالَبة الجزائريين فرنسا, الإعتذار عن استعمارِها وجرائمها في الجزائر: إن الأحفاد لا يعتذرون عمّا فعله الأجداد.ويبدو أن هذه هي القاعدة «الذهبية» لِأحفاد المُستعمِرين كافة, الذين يُريدون استعادة «امجاد» اجدادهم في بلادنا, كما يسعى الى ذلك حفيد مُستعمِر آخر,هو العثماني... رجب طيب اردوغان.
 
kharroub@jpf.com.jo