Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Mar-2019

داعشيون متخفون..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد-كرّس الدواعش، ربما أكثر من جماعة القاعدة والآخرين، صورة بصرية نمطية للتطرف: المقاتل المتلحي بالسروال والثوب والعمامة والبندقية. لكن مفهوم “داعش” تجاوز هذه الدلالة المباشرة للمقاتل الداعشي ليصف ظاهرة بمقدمات وتجليات وخلاصات. وكما ذهبت الكثير من الدراسات، فإن نشوء هذه الظاهرة المتطرفة كان إحدى النتائج المترتبة على مجموعة من الوقائع. ومنها:

ضيق المواطنين العرب بسطوة الغرب على المنطقة، وبتسليم الأنظمة المحلية مصائرهم له. وعبّر هذا الضيق عن نفسه بشكل خاص بعد تدخل التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، في أزمة العراق-الكويت ونشر الجيوش الغربية في الأراضي العربية. وجاء ذلك التعبير في شكل تنظيم القاعدة الذي فرخ “داعش”. وقد وضع زعيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، السخط من وجود الجيوش الأجنبية على الأراضي الإسلامية في مقدمة قضيته.
تمكُّن الفكر السلفي الأصولي الذي حظي برعاية رسمية في بعض الأماكن العربية حيث أصبحت تعاليمه طريقة حياة. واحتضن هذا الفكر نظرية السلفية الجهادية التي نظَّمت الأتباع حول العنف غير المنضبط لتحقيق الغايات.
القضية الفلسطينية وما تركته من إحباط مقيم في النفسية العربية، سواء من جهة الهزائم التي تحققت بسبب إساءة النظام العربي إدارة الصراع، أو من جهة ولاء معظم أعضائه للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، الذي سهَّل ومكَّن المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين.
الاستبداد المنتشر وحرمان المواطنين العرب من الحقوق والحريات الأساسية. وكذلك بنى الاقتصاد المتخلفة أو الرعوية نتيجة لسوء الإدارة الرسمية الذي أنجب البطالة والفقر، وركز الثروة في أيدي القلة، وكرَّس الضعف والتخلف اللذين يسودان في المنطقة. وقد أتاح اليأس وسوء الأوضاع وفشل المشاريع النهضوية العربية مساحة للفكر الخرافي على حساب الفكر العملي والبدائل التجريبية.
في ضوء هذه المقدمات، وغيرها، وجدت أيديولوجيات تنظيم القاعدة و”داعش”، قبولاً حين طرحت نفسها كبدائل تعرض الخلاص. ووعد “داعش” بتأسيس يوتوبيا على غرار مجتمع العدالة المنتصر في صدر الإسلام، كما تصوَّره منظرو التنظيم. واستفادت هذه الوعود من مشاعر اليأس والإحباط والهزيمة والحرمان التي تعززت بعد الغزو الأميركي للعراق ثم الاضطرابات التي جلبها “الربيع العربي”. لكن البديل العملي الذي قدمه “داعش” فيما أسماه “الخلافة” كان دموياً ووحشياً، سواء كان ذلك تجاه المسلمين السنة في المناطق التي حكمها، أو المسلمين الشيعة، أو أتباع الأديان والمعتقدات الأخرى –بالإضافة إلى الهجمات على المدنيين في الغرب.
مع ذلك، من الملفت ملاحظة ما كتبه الباحث الأستاذ دانيال باميان في مقال له عما سيأتي بعد “داعش”. وأشار في مقاله إلى ما قد اعتبره نجاحات تحققت فيما سُميت “الخلافة”. فبالإضافة إلى قدرة التنظيم على تنظيم الشؤون المالية بطريقة أفضل من كثير من الحكومات، باستيفاء الضرائب واستغلال الموارد المتاحة، أنشأت “الخلافة” مؤسسات وفرت الخدمات الأساسية للناس في مناطق حكمه. ويكتب باميان: “مع تلاشي ذكرى وحشية ‘الدولة الإسلامية’، وعودة القادة الفاسدين وغير الأكفاء إلى الحكم، سوف ينظر بعض العراقيين والسوريين على الأقل بحنين إلى زمن كانت فيه المصابيح تظل مشتعلة”.
ينتمي هذا الحنين “الذي يجبرك على المُرّ هو الأمر منه”. ربما تكون الكفاءة الإدارية على المستوى الخدمي والمالي، التي توفر الحاجات والخدمات للناس، أفضل من الخضوع لمسؤولين فاسدين، قساة على طريقتهم، والذين لا يوفرون الخدمات ولا العدالة. ونقل باميان عن أحد رجال شرطة “الدولة في العراق”، قوله: “إذا نجحنا في تحقيق العدالة، كنا نعرف أننا سنفوز بالقلوب”.
الآن، ذهبت “الخلافة”، لكن المقدمات التي أدت إلى “داعش” كمفهوم ما تزال كلها حاضرة. وإذا جاز اعتبار تسهيل عمل أي مشروع بصنع الظروف التي تسمح له بالنشوء والازدهار وكسب الجاذبية جزءا من المشاركة فيه، فإن بالوسع اعتبار الكثيرين “دواعش” متخفين. لا يهمُّ إذا اتخذ هؤلاء المشرفون مظهر الدواعش أو حلة العلمانيين، لأن نتيجة عملهم واحدة. ومن عجيب المفارقات أن يتحدث المسؤولون العرب بالعداء لـ”داعش”، بينما يخدم عملهم على الأرض أيديولوجيا التطرف وذهاب الناس إليه.
اعمَل فقط على توفير البيئة للفساد؛ اسمح بانتشار المظالم وغياب العدالة؛ أفقِر الناس؛ سهِّل هيمنة الآخرين على مواطنيك وامتهان كرامتهم وامتطاء ظهورهم؛ وروج ما يعزز فيهم الإحباط واليأس ويقتل الأمل، وستكون “داعشياً” مثالياً بلا لحية ولا ثوب. وكيف لا تكون؟