Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Mar-2019

تقاليد مشتركة في استدعاء المؤامرة* د.باسم الطويسي

 الغد-اعادت الجريمة الارهابية التي ارتكبها متطرف استرالي بحق مصلين في نيوزيلاندا سيلا جارفا من استدعاء فكرة المؤامرة، ويبدو ان تقاليد المؤامرة لا تقتصر على العرب وحدهم ؛ فهناك اعتقاد عند البعض ان العرب اكثر الشعوب قدرة على انتاج فكرة المؤامرة، وهذا صحيح الى حد ما، ولكن المهم ان العرب ليسوا وحدهم من يصر على ارتياد مدرسة المؤامرة والاخذ من وصفاتها الجاهزة بل ثمة ظاهرة تاريخية ومدرسة تجذرت تدعي بوجود قوة او قوى عالمية خفية في السياسة الدولية والاقتصاد تدير العالم حسب مصالحها وتصنع النجوم وتطيح بدول ومؤسسات وترفع من شأن اخرى، واحيانا ان التاريخ الانساني سلسلة من المؤامرات وجولات الثأر كما هو الحال في قراءة ما كتبه المتطرف الاسترالي وما كرره في رسائله.

الجديد في الامر انه بعد عقود من تراجع الأخذ بفكرة المؤامرة في الكثير من الثقافات والصراعات، تعود اليوم هذه الفكرة لتنتشر بقوة من جديد وحتى في اعرق الديمقراطيات علينا ملاحظة ما يجري اليوم في الولايات المتحدة؛ وسط العامة وبعض قادة الرأي وبعض الخبراء ولدى السياسيين وفي وسائل الإعلام. من المعروف ان فكرة المؤامرة تنتشر في اوقات الصراعات الحادة وفي الظروف التي تميل فيها القوى الدولية الى ادارة الصراعات بدل حلها.
في هذه الاثناء تزدحم القضايا والقصص في السياسية الدولية وفي الشؤون الداخلية التي بات تيار طويل عريض يربطها بفكرة المؤامرة، لنبدأ من آخر الصف ؛ تطل نظرية المؤامرة برأسها بشأن ما جرى في الانتخابات الاميركية (2016) والغريب ان تيارين من الحزبين رددا المقولة ذاتها ؛الرئيس دونالد ترامب لم يتوقف عن ترديد ان مؤامرة تحاك ضده ووسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا الجديدة اطراف بها والحزب الديمقراطي وتيار عريض يشتم رائحة مؤامرة روسية بالتدخل بالانتخابات، والانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي يراه كثيرون انه نتيجة مؤامرة وخداع، الربيع العربي والثورات العربية سوقت لدى تيار واسع من قادة الرأي والسياسيين وفي الإعلام بأنها مؤامرة كبرى جديدة، وقبل ذلك بسنوات تردد بقوة ان هجمات الحادي عشر من ايلول مؤامرة اخرى.
في دراسة اكاديمية ظهرت مؤخرا حول تاريخ الاكاذيب والاخبار المزيفة وعلاقتها بالأوضاع السياسية، تبين ان الجمهور الاميركي كان اكثر ميلا للإيمان بنظرية المؤامرة في اوقات الصراع السياسي حيث وصلت ذروة هذا الامر اثناء اشتعال الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات حتى اتهمت حركة الحقوق المدنية بأنها جزء من مؤامرة ورد طرف آخر بأن اغتيال مارتن لوثر كنج جزء من مؤامرة كبرى كما ان الدراسات المسحية ذهبت الى ان نحو 40 – 60 % من الاميركان يؤمنون بالمؤامرة في ذلك الوقت، في الثمانينيات وبداية التسعينيات تراجعت بقوة نظرية المؤامرة وتراجعت النسب الى 5 – 10 % في القرن الجديد عادت نظرية المؤامرة بقوة من جديد.
المشكلة؛ انه في الوقت الذي تتشكل في الغرب نفسه مدرسة تتنامى وتؤمن وتروج للمؤامرة التي تحاك في مكان ما، تمارس السياسة في معظم الاوقات بعقلانية باردة منطلقها المصالح وتستخدم كافة الادوات في سبيلها، في حين لا يحدث هذا الامر في جهات اخرى من العالم بل يتم الاستسلام لهذه الفرضية للهروب من مواجهة المصير، بل احيانا تصبح استراتيجية المؤامرة جزءا من الاستراتيجية الدعائية في ادارة المصالح بمعنى لا بأس ان يتنامى اعتقاد الناس بوجود مؤامرة ما من اجل تمرير هدف آخر.