Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2018

قراءة في الأوراق النقاشية الملكية - المحامي الدكتور محمد عبداالله الظاهر

الراي-  في الاردن فقد حبانا االله بقيادة حكيمة، تتمتع برؤى ثاقبة في ترسيخ وتمكين النهج الديمقراطي وتعميقه وجعله نمطا للحياة، من خلال تحفيز الحوار الوطني وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، ولهذا سعى جلالة الملك ويسعى دائما الى التأكيد على اعتبار الديمقراطية خيارا وهدفا يتعين تحقيقة، من خلال تكريس مبدأ الحوار والمشاركة، ففي الوقت الذي تمنع العديد من الانظمة مواطنيها من التطرق للقرارات والاعمال الحكومية او حتى ابداء الرأي فيها، يقوم جلالة الملك بحث الجميع على ضرورة تعميق الديمقراطية من خلال تبني مبدأ الحوار والمشاركة في صنع القرار.

وضمن رؤى جلالة الملك المستقبلية للاصلاح السياسي وترسيخ الممارسات الديمقراطية في المملكة، جاءت الاوراق النقاشية الملكية التي تحوي عدة محاور مهمة،
من أبرزها الدعوة الى حوار وطني تحقيقا لفكر جاد يهدف الى تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، حيث أشار جلالته الى أن مسؤوليته في هذا الظرف تتمحور في تشجيع الحوار بيننا كشعب يسير على طريق التحول الديمقراطي، بهدف تحفيز المواطنين للدخول في حوار بناء حول القضايا الكبرى التي تواجهنا، من هنا كان لابد لنا شعبا ومسؤولين أن نلتقط الرسالة الملكية ونتفهم مضامينها المهمة، وأن نلتزم تبعا لذلك بتطوير مسالك قانونية ومؤسساتية كفيلة بضمان تفعيل جيد وجدي للديمقراطية التشاركية بوصفها ركنا أساسيا للنظام السياسي والاجتماعي والاختيار الامثل للتحول الديمقراطي الذي أراده جلالة الملك، وهذا بطبيعة الحال يستلزم تعميم مجالات المشاركة لتشمل جميع مناحي الحياة العامة، وما يرتبط بتدبير الشأن العام، سواء على مستوى التنمية والشفافية، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية وحماية كرامة المواطنين، والدفاع عن حرياتهم الفردية والجماعية، وحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والبيئية، وهو ما يتطلب بالضرورة إرادة صريحة للانتساب إلى القيم والمبادئ الأساسية المتعارف عليها دوليا، وفق ما تضمنته الرؤى الملكية في هذا المجال، وما سنته المواثيق والعهود الدولية حول حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتي أضحت جزءا لا يتجزأ من مكونات النهج الديمقراطي بمعناه الشمولي.
وفي هذا السياق فإنه يتعين علينا أن نستثمر الرؤى الملكية، بوضع الاوراق النقاشية موضع التطبيق الفعلي دون ابطاء، باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة في تحصين دولة الحق والقانون، وتفادي كل ما من شأنه أن يكرس لدى المواطن الشعور بالغبن الاجتماعي، وبعدم الثقة في إمكانية العيش بكرامة داخل مجتمع حر وعادل، كل ذلك يجعل من مبادرة إطلاق «الحوار الوطني» التي أرادها جلالة الملك فرصة تاريخية لتقوية الشراكة بين الدولة، وبين مكونات المجتمع، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تثمين الخطوة التي خطاها جلالة الملك في الورقة النقاشية الاولى المتمثلة بتشجيع الحوار وتحفيز المواطنين للدخول في حوار بناء حول القضايا التي تواجهنا، ووضع هذه الخطوة موضع التنفيذ بوصفها أساسا لمناخ سياسي جديد يميز الاردن بجمعه الخلاّق بين الاستقرار واستمرار الاصلاحات؛ وهو ما سيؤدي حتما الى تحسين العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة عبرالعمل بأسلوب مبني على الحوار، وتقاسم المسؤولية؛ وبالتالي ايجاد نموذج للديمقراطية التشاركية يحقق أداؤه «المثالي» ويعمل على إنتاج تعاون بناء من أجل تنمية بشرية مستدامة، والمشاركة الشعبية الفاعلة، باعتبار ان الديموقراطية التشاركية تمثل شكل من أشكال التدبير المشترك للشأن العام المحلي، والذي يقوم على تقوية مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار السياسي، وهي تشير إلى نموذج سياسي اصلاحي متقدم يستهدف زيادة انخراط ومشاركة المواطنين في النقاش العام وفي اتخاذ القرار السياسي، في المسائل العامة التي تعنيهم بشكل مباشر، وذلك لإشراكهم في اتخاذ القرارات مع التحمل الجماعي للمسؤوليات المترتبة على ذلك, فالديموقراطية التشاركية تستهدف دمقرطة الديموقراطية التمثيلية التي ظهرت جليا بعض عيوبها، وتعزيز دور المواطن الذي لا ينبغي أن يبقى دوره منحصرا فقط في الحق في التصويت أوالترشح والولوج إلى المجالس المنتجة محليا ووطنيا، بل يمتد ليشمل الحق في الإخبار والاستشارة وفي التتبع والتقييم , أي أن تتحول حقوق المواطن من حقوق موسمية تبدأ مع كل استحقاق انتخابي وتنتهي بانتهائه، الى حقوق دائمة ومستمرة ومباشرة تمارس بشكل يومي وعن قرب، وهي بهذا المعنى تتميز عن الديمقراطية التمثيلية التي تمارس عبر واسطة المنتخبين الذين قد يتخلون عن دور الاقتراب من المواطن وإشراكه في صنع وإنتاج القرارات، على انه يجب ان لا يفهم من ذلك الدعوة للتخلي عن الديمقراطية التمثيلية، وإنما تكريس الربط التكاملي بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية، واعتبار هذه الاخيرة حلقة من حلقات بناء الديمقراطية.
من هنا كان لا بد من البحث في امكانية ايجاد السبل الكفيلة بتنفيذ الرؤى الملكية في مجال تكريس مبدأ الحوار والمشاركة الديمقراطية وصولا الى بناء النظام الديمقراطي الذي أراده جلالة الملك نهجا يقودنا الى المستقبل المشرق الذي يستحقه الاردنيين، ولعل من أولى الاولويات في هذا المجال، العمل بجد على متابعة الاوراق النقاشية الملكية متابعة حثيثة وفهمها وتعميق مضامينها ونشرها على اوسع نطاق في مجتمعنا بكافة أطيافة ومكوناته من مواطنين وأحزاب سياسية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع العام، بل حتى في المؤسسات التعليمية بكافة مستوياتها، للعمل على تنشئة أجيال تتمتع بدرجة من الوعي والقدرة على تكريس دور المواطنة الفاعلة، وبما يضمن البلوغ الى مرحلة بناء إطار إرادي للتعاقد والتعاون بين الدولة والمجتمع المدني، من أجل تفعيل جيد وجاد لسبل وآليات المشاركة في صناعة وتنفيذ وتتبع ومراقبة السياسات العامة، وتقييمها، كما أنه من اللآزم العمل على وضع ضوابط للاختلافات في الرأي القائمة على أسباب شخصية أو سياسية والتي تعبرعن نفسها بمظاهر تأخذ أحيانا أشكالا غير بناءة كالتصلب في المواقف والعنف والمقاطعة التي لا تقود بالضرورة الى النتائج المرجوة، وتؤدي الى توقف الممارسة الديمقراطية، وتحول دون الوصول الى التوافق المنشود، على أنه وفي سبيل تحقيق النتائج المرجوة، يتعين العمل تعميق وتجذير مجموعة المبادئ التي أشار اليها جلالة الملك في ورقته النقاشية الاولى والتي تتجلى باحترام الرأي والرأي الآخر بما يحمله من معنى حقيقي للحوار، بوصفه عملية تفاعل حقيقي ينصت خلالها الاطراف الى بعضهم بعضا بعمق كاف، ويبذل كل واحد أقصى ما في وسعه لتفهم اهتمامات الآخر حتى ولو بقيا على اختلافهما، بحيث لا تكون النية لدى أي طرف هي الدفاع عن الرأي والاقناع به، بقدر ما تهدف للوصول الى توافق وطني بعيدا عن مظاهر الفرقة والتمزق مع التزام مبدأ الاحترام باعتبار أن الجميع شركاء في التضحيات والمكاسب، كذلك فإنه من الضروري ممارسة واجب المساءلة باعتباره من اهم المبادئ الديمقراطية، ودليلا على اكتمال المواطنة، حيث يتحقق واجب المساءلة بفرض رقابة على الساسة والمسؤولين الحكوميين من خلال منابر الحوار والمشاركة، بما يحققه ذلك من اخضاع المسؤول الحكومي للمحاسبة عن اعماله في سياق تنفيذ وتطبيق القوانين والانظمة والتعليمات، وفي هذا السياق، تجدر الاشارة الى أن المواطنة حسب مفهومها الصحيح إنما تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، بحيث لا تكون صفة المواطنة إلا لمن يكون له الحق في المشاركة في صنع القرار، من خلال مؤسسات الحكم السياسية والقانونية والدستورية.
أما الأفراد المقيمون على أرضٍ ويُجبرون على الانصياع للأوامر الصادرة إليهم دون أن يسهموا، بشكل ما في إعدادها أو إصدارها، فهذه الفئة غيبت نفسها وفقدت دورها في المواطنة، ومن ثم يأتي جهد الشخص في إطار الجماعة السياسية لممارسة صفة المواطنة، والتمسك بها، والدفاع عنها، من خلال المشاركة في صنع القرار وممارسة واجب المساءلة.