Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Sep-2018

التفكير خارج الصندوق وتحفيز الاستثمار - الدكتور جمال المصري

الراي - كثيراً ما نسمع بمصطلح (التفكير خارج الصندوق)، ولابد أن كل من سمعه لأول مرة قد تساءل عن معناه. ولو كنتَ تسمعه للمرة الأولى فهو يعني باختصار أن تفكر في أي مشكلة تواجهها وكأنك لست طرفاً فيها؛ أي أن تخرج من الصندوق لتجد حلاً للمشكلة التي تعاني منها.

لقد قرأت خلال الأيام الماضية أكثر من خمسة مقالات تمتدح فكرة انشاء الشركة القابضة التي أعلن عنها دولة الرئيس الرزاز في محاضرته في الجامعة الأردنية باعتبارها فكرة جديدة وريادية جاءت من خارج الصندوق وباعتبارها الحل الذي سيدفع الاستثمار قدما املا في خروج الاقتصاد الأردني من كبوته والحلقة المفرغة التي يتيه فيها.
وللأمانة العلمية، فإن مصلح التفكير خارج الصندوق لم يذكر من قبل دولة الرئيس في وصف هذه الفكرة.
إن فكرة إنشاء مثل هذه الصناديق الاستثمارية ليست بالجديدة، فقد جاءت من داخل صندوق الحكومة السابقة وتحديدا «صندوق الاستثمار الأردني» الذي أسس بموجب قانون صندوق الاستثمار الأردني رقم (16 (لسنة 2016 والذي انبثقت عنه شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار التي تأسست بتاريخ 26 آذار2017 .علاوة على عدة مبادرات تمويلية أطلقت في نهاية 2017 في إطار تنفيذ خطة التحفيز الاقتصادي، التي تضمنت مشروعات رأسمالية تصل إلى 5.9 مليار دينار للفترة 2018-2022 ،وفي مقدمتها تأسيس شركة استثمارية للبنوك برأسمال 125 مليون دينار وإنشاء صندوق الريادة الأردني بالتعاون مع البنك الدولي برأسمال 100 مليون دينار علاوة على تخصيص البنك المركزي الأردني لما يزيد عن مليار دينار لإقراضها للبنوك بهدف إعادة اقراضها لقطاعات إنتاجية رئيسية بفائدة متدنية، وتوفير 100 مليون دينار لبرنامج ضمان الصادرات الأردنية.
وتتطابق أهداف هذه المبادرات مع اهداف الشركة المقترحة اخيرا من حيث الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الكبرى وفي مشاريع جديدة في القطاعات الاقتصادية الحيوية، وكذلك في مشاريع وشركات كبرى لتعزيز رؤوس أموال الشركات وتسريع وتيرة التوسع الاقتصادي والنمو.
المهم في هذا المقام هو البناء على المبادرات السابقة وعدم تناسيها، والبناء على خطط التحفيز السابقة مثل خطة التحفيز الاقتصادي التي أقرها مجلس السياسات وأعلنتها الحكومة السابقة والتي يبدو أنه قد طالها النسيان أيضا. والمهم ايضا الوعي والاعتراف بالأسباب الحقيقية لتراجع الاستثمار واحجام المستثمرين عن انشاء استثمارات جديدة او توسعة استثماراتهم القائمة والتي من المؤكد من وجهة نظر المختصين والمستثمرين انفسهم وممثليهم من غرف الصناعة والتجارة وغيرهم أن توفر التمويل ليس أحدها بقدر ما يتعلق بعوامل عدم جدوى الاستثمار وتحقيق عائد مناسب ومستدام بسبب ارتفاع كلف الإنتاج التي تضخمت بفعل أسعار المواد الأولية الداخلة في العملية الإنتاجية من كهرباء ومحروقات والحجم الكبير من الضرائب غير المباشرة والرسوم، وهي تكاليف مرتفعة يبدو أنها لم تسعف القطاع الصناعي والتجاري للحصول على الدعم والحوافز في مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد.
وقد دفعت القطاعات الإنتاجية والصناعية والتصديرية الثمن على مدى السبع سنوات الماضية في فقدان القدرة على المنافسة محليا وخارجيا والمبادرة والنفاذ إلى الأسواق التصديرية الخارجية وتهديد استمرارية المشاريع الصناعية وقدرتها على التوسع، لعدم وجود جهد حقيقي للإصلاح الاقتصادي يهتم بالإصلاحات الهيكلية والسياسات في جانب العرض للخروج من الوضع القائم والهادفة لتوسيع نطاق الاقتصاد وإنتاجيته وتعزيز تنافسيته وإعادة البيئة الجاذبة للاستثمار والتعامل مع القطاعات الانتاجية كشريك في التنمية وليس كمصدر للضرائب والرسوم فقط، التي ستتراجع حصيلتها باضطراد طالما بقي الاهتمام بتحفيز النمو ومعالجة البطالة وباقي الاختلالات قرارا مؤجلا يقدم عليه الإصلاح المالي الذي طال أمده.
اللافت للنظر أن التعليقات والتحليلات لم تتطرق لمقومات نجاح فكرة الشركة القابضة من عدمه، ومدى مشاركة الأطراف المستهدفين المعلن عنهم وضمان مساهمتهم بفاعلية بواقعية حقيقية بعيدة عن التنظير والآمال. فمشاركة كبيرة من المواطنين والمغتربين بفاعلية تلفها الشكوك، ولنا في هذا مثال قريب في نسبة مشاركتهم في اصدار سندات الأفراد الادخارية الأخير الذي بذلت لأجله حملة تسويقية مكثفة وواسعة داخل الأردن وفي عدد من دول الخليج، حيث يقيم معظم المغتربين الأردنيين، والذي لم يحقق نتيجة مرضية بالقدر المأمول. أما بالنسبة للبنوك فانه بات معروفا للمتخصصين أن مساهمتها متواضعة دائما، بسبب عوامل تحكم أعمالها واختيار أوجه استثمار أموالها. أما الأكثر لفتا للنظر، فهو الحديث عن مساهمة الحكومة دون تحديد مصدر أموال مساهمتها والإعلان عنه. وأخشى كما كل الأردنيين ألا تكون النية تتجه للجوء إلى أموال صندوق الضمان الاجتماعي التي تمثل مدخرات الأردنيين و»حصالة» و»كوارة» أبنائهم والأجيال المستقبلية. وهي خشية تلمسها لدى الناس بعد الجدل الذي دار بين الرئيس الملقي وأعضاء في حكومته مع رئيسة صندوق استثمار أموال الضمان حول استقلالية القرار الاستثماري للصندوق واختيار أوجه ومجالات استثماراته.
وتتسع خشية الناس في تساؤلهم عن عدم قيام الحكومة بتعيين مدير جديد للضمان الاجتماعي وقبل ذلك بفترة قصيرة تم تعيين رئيسا «غير متفرغ!!» لمجلس استثمار صندوق أموال الضمان وأيضا عدم تعيين رئيس لصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي خلفا للسيدة سهير العلي. ونتمنى ألا يعود هذا الجدل مجددا وألا يتم المساس بأموال الضمان وتكرار محاولات الحكومات السابقة لاستغلال أمول تحويشة الأردنيين، مثل شراء سفارات الأردن وبيوت السفراء في الخارج أو تمويل شراء طائرات للملكية الأردنية أو صندوق فرسان.
وأتمنى أن تكون الأخبار المتداولة عن النية لتعيين أحد ثلاثة من وزراء الحكومة السابقة رئيسا للشركة القابضة المقترحة مجرد إشاعة.
ليس المهم أن تكون الحلول والافكار الريادية التي تساعدنا في حل مشاكلنا الاقتصادية ومواجهة التحديات وصنع مستقبل أفضل للأردن وأبنائه من خارج الصندوق أو من داخله، لكن الأهم أننا نريدها من خارج صندوق الحكومات السابقة وحتما من خارج صندوق استثمار أموال ضماننا الاجتماعي، ومن خارج صندوق النقد الدولي ايضا.
وأعتقد أن جميع الأكاديميين والمختصين بالشأن الاقتصادي والمالي باتوا مطالبين اليوم، كما لم يكن في أي وقت مضى، بالتفكير بالحلول وتقديم الأفكار للمساعدة في حل مشاكلنا الاقتصادية وعدم الاكتفاء بالانتقاد وحده الذي لا تسير معه العربة.
* اقتصادي وباحث