Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Nov-2019

عنف سائد متقبل ومتواطأ عليه*إبراهيم غرايبة

 الغد

“فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ” سفر اشعياء
إذا كان متوقعا أو أمرا عاديا العنف في الأسر والمدارس والشوارع؛ فيجب ألا يفاجِئنا أن يطعن شخص السواح أو أن يفقأ أحدهم عيني زوجته، والحال أنها ليست مفاجِئة أحداث العنف اليومية الراسخة والمتقبلة والمتواطأ عليها، لكن المفاجئ أننا حتى اليوم لم نربط حالة التطرف والكراهية والإرهاب والعنف في مجالها السياسي بالحالة الاجتماعية والاقتصادية، وعلى أي حال فإنه يمكن التقدير أن حجم الضغوط الاجتماعية والنفسية والخسائر الاقتصادية بسبب ثقافة العنف والسلوك غير الاجتماعي على قدر كبير من الإضرار المباشر وغير المباشر بالاقتصاد ومستوى الرضا والتماسك الاجتماعي.
وفي مقدور كل واحد منا أن يتأمل ويبحث بنفسه ليلاحظ حجم الضرر والخسائر والأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الأعمال والأسواق ومستوى وطبيعة المعيشة والصحة النفسية والجسدية وأسلوب الحياة بسبب ثقافة العنف وغياب التسامح والعجز عن العيش معا أو التعايش، ويمكن في هذه المساحة أن أعرض جزءا قليلا من الخسائر التي نعاني منها،..
ففي الصحة النفسية والجسدية نقدر حجم المعاناة وانتشارها في حياتنا ومجتمعاتنا، فمن المعلوم أن التوتر والغضب المتواصل والشعور بعدم الرضا يدفع إلى أمراض وأزمات كثيرة جدا، مثل أمراض القلب والضغط والاكتئاب والسمنة، والانتحار والجرائم والمشاجرات، والاتجاه نحو المخدرات والكحول والتدخين والمنبهات، والتغيب عن العمل والبيوت، ويتبع ذلك بطبيعة الحال خلافات كثيرة في العمل وفي المحاكم والأسر والجيرة ودوائر القرابة والصداقة والزمالة؛ ما يقلل القدرة على التركيز في العمل وضعف الأداء والإنتاجية والتحصيل الدراسي والعملي، وزيادة حالات الطلاق والتفكك الأسري،..
وهي (حالة العنف والغضب) ثقافة تضعف الثقة في المجتمع، ومن الواضح جدا كما تؤشر استطلاعات الرأي أن مستوى الثقة في بلادنا ومجتمعاتنا متدنّ، إن الثقة تمثل اليوم القاعدة الأساسية للأعمال والموارد، فلا يمكن أن تنشأ مؤسسات اقتصادية واجتماعية كبرى من غير ثقة الناس ببعضهم، وهكذا يمكن الاستدلال بغياب أو ضعف الشركات والمنظمات الكبرى التي يساهم فيها عدد كبير من المواطنين وغلبة المؤسسات العائلية والصغيرة على تدني الثقة فلا يمكن أن تنشأ مؤسسات كبرى من غير مشاركة عدد كبير من الناس فيها ولا يمكن أن يعمل الناس معا من غير ثقة ويمتد ضرر ضعف الثقة إلى الإنفاق على الأمن والمراقبة والحراسة والمتابعة المالية والإدارية؛ ما يعني بالضرورة تخصيص جزء كبير من الموارد والجهود والأوقات للاستدراك على أزمة الثقة، ولنتخيل الوفر والرخاء الممكن تحقيقه لو أن مستوى الثقة بين الناس بعضهم البعض وبين المستهلكين والموردين وبين المستفيدين والمؤسسات التجارية والخدمية، وكذا الإنفاق على الأمن العام والخاص والمحاكم والسجون، كما تؤثر حالة الثقة على مستوى وطبيعة إقبال السياح والمستثمرين والمقيمين، والزوار لفترة طويلة لأغراض التقاعد كما يحدث في دول كثيرة أو العلاج أو السياحة الطويلة على هيئة إقامة أو معيشة في المدن والبلدات في الإجازات.
وبالطبع فإن حوادث المرور وما ينشأ عنها من أزمات وخسائر وكذا أنماط واتجاهات السلوك في قيادة السيارات تؤدي إلى خسائر كبرى في الأموال والممتلكات والصحة وفي اتجاهات الإقبال والعزوف على الزيارة والأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياحة والتسوق.
لا يمكن الحديث عن سلام اجتماعي واعتدال ومواجهة التطرف والكراهية من غير ثقافة ترفض العنف في كل مستوياته واتجاهاته وطبيعته وأهدافه، سواء كان عنفا جسديا أو لفظيا، وفي أي فضاء يقع؛ في البيت أو المدرسة أو العمل أو الشارع، .. ولنعترف أننا نعيش في حالة من التوتر والخوف يؤشر إليها بوضوح في غياب الأطفال عن الشوارع والساحات وفي تدمير الأرصفة المفترض أن تكون فضاء عامرا للمشائين والأطفال والدراجين، مدينة لا ترى فيها الأطفال يلعبون والناس يمشون في الأرصفة والدراجات تملأ ساحاتها وشوارعها هي مدينة تضج بالخوف والشجار والكراهية والشعور بالوحدة وعدم الثقة.