Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Feb-2017

الإلهام.. بين المطرقة والسندان - ناديا هاشم العالول
 
الراي - نالت مقالة الاسبوع الفائت بعنوان «إلهام» Muse قسطا كبيرا من اهتمام القراء وتعليقاتهم.. ربما لأنها تمسّ موضوعا يتعلق بأهمية الاعتراف بقيمة الأفكار المستوحاة سواء أكانت علمية او عملية او أدبية او ثقافية او فنية.. الخ لما لها من أهمية كبيرة بإحداث التغيير المطلوب الذي سينتزعنا من براثن تخلّف العالم النامي، بعد ان بات واضحا ان إهمالنا لجوهر العلم ومضمون التعليم والاختراع والابداع..الخ وكل ما له صلة بإِعمال العقل، هو الذي جعلنا نحتل الصدارة الأولى على خريطة الماضي، دون ان نتبوأ أيَّ مكان مهما كان متواضعاعلى خريطة الحاضر والمستقبل!
 
فكأن الماضي يكفينا.. والتاريخ يروينا!
 
وكيف لا ؟ ونسبة كبيرة منا ما زالت تتعلق بالماضي رافضة التجدّد والتجديد مشددة على ان كل جديد بدعة.. علاوة على فئات أخرى لم تتقن لحد الآن فن الإختيار.. فتراها دوما تختار الأسوأ من القديم – الأصالة–والأسوأ من الحديث –الحداثة- لتخرج بتوليفة متناقضة لا تتماشى و إيجابيات الأصالة ولاتتكيّف مع إيجابيات المعاصرة.. فلكل منهما جانبان إيجابي وسلبي..بعكس الفئة المستنيرة التي تختار الأفضل من الأصالة، والأفضل من المعاصرة، ومع ذلك فجهودها واهية لوقوعها بين مطرقة «المتشددين» من جهة و سندان «مسيئي الاختيار»من جهة أخرى، محاولة بحكمتها ان تعتق نفسها وغيرها من نار الجهل المحيطة بها ولو بحفنة كلمات تمسُّ شغف الآخرين، هذا الشغف المتعطش لأن يرى حضارتنا الماضية تتبلور بقالب يتواءم والواقع المعاش ليقف ثابتا على أرضية صلبة جاهزا لأن يشدَّ الرحال نحو المستقبل بإنطلاقة خاصة بنا تتم عبر التغيير نحو الأفضل، إنطلاقة ضرورية لمواكبة تسارع وتيرة التغييرالكوني السريع المعاصر المحيطة بنا، والمتطلبة تجددا وتجديدا مستمريْن..
 
وكما هو معروف فكل تغيير يتطلب فكرا رياديا يتواءم وهذا التغيير، فكرا ينبثق عن علم وتعليم قادر على التكيف معه بإبداع وتفوق من نوع استثنائي..مستشهدين بقول احد مفكرينا: التعليم للريادة وليس للشهادة–وهذا مساق يتم تدريسه حاليا بجامعة النجاح الوطنية بنابلس-..
 
فالشهادة الأكاديمية ليست هي المطلب الذي نتوقف عنده، بل صهوة حصان نمتطيها لمواكبة كل جديد على الصعد كافة..
 
كما يقولون الحديث ذو شجون..ولكن هذا فعلا ما شعرت به وراء اهتمام القرّاء الكبير بحذافيرالإلهام والوحي والتفاعل مع الذات والآخر، عبر جسور إبداعية تعتمد بنيتها على ثقافة المبدع و شفافيته وتوقّد إحساسه وتوهّج شاعريته..
 
كلها عناصر من شانها ان تُنْضِجَ ابداعا يحملنا لعوالم فسيحة، بعيدا عن ضيق وتضيّق الآفاق التي أمست زنقات- جمع زنقة- فكرية يتبارى البعض للوصول لقمّتها.. زنقات تخنق كل إلهام مبدع يوشك أن يتألق ليرفع من منسوب الفكر الجمْعي للأفراد والجماعات..
 
فإن كان الخلاص على أيدي مفكّري امّتنا وملهميها ومبدعيها فلِمَ نجتهد بعثرة طاقاتهم بأمور واهية لا قيمة لها..مضيعين فرصة الاستثمار بإبداعاتهم الفريدة..
 
فكم صفقنا واحتفلنا بالملهِمين والموهوبين والمفكرين لنجد بعد ذلك بأن أفكارهم مؤجَّلة موقوفة ممنوعة من التنفيذ.. حتى الأكاديميين يكتبون الأبحاث بُغية نيل ترقية ما، لتقبع بعدها على الرفوف دون الاستفادة من تطبيقها على ارض الواقع..
 
ونعود للجانب «الإلهامي» من المقالة..لأهمية إعطاء الوقت الكافي للملهمين والمبدعين من اجل البدء وإنهاء ابداعاتهم دونما مقاطعة، لأن العملية الابداعية برمتها لها بداية ونهاية وما بينهما، فمثلا لو بدأ المبدع بتلقي الإلهام موشكا على الإمساك بقلمه أوريشته او آلته الموسيقية ليدخل بحالة إحماء غير عادية تحتاج الى وقت ومتابعة لتفريغ هذا الزخم الابداعي.. ولكن كثيرا ما تقطع متطلبات الحياة من حوله عليه حبل أفكاره، فيهبط الى ارض الواقع فجأة، مطفئا بذلك كل محرّكات الابداع الجاهزة للانطلاق بحسها وإحساسها المتعاظم بتلك اللحظة المصيرية.. تماما كأي محرّك سيارة نوقده ثم نطفئه مكررين هاتين العمليتين المتنتاقضتين بفترة قصيرة جدا..معرّضينه بفعلتنا هذه للاحتراق.. ليصبح عديم الفائدة.. وكذلك الإبداع ببيئة لا توفرالتفرغ للمبدع جاعلة من ابداعه نقمة.. وليس نعمة!
 
لماذا؟ لأن ارتفاع نسبة الحسّ والإحساس بلحظة الإشراق، كلها تحتاج الى توقيت مناسب لترجمتها فوريا.. وإلا ستظل حبيسة النفس والعقل والوجدان مولَّدة زوابع داخلية لا يحس بها سوى المبدعين أنفسهم.. وكان الله بعونهم وعوننا جميعنا..
 
فحتى غير المبدعين ممن تحرِّك مشاعرهم عوامل عادية من سعادة او حزن او غضب اوغيرة أو الم.. فإن لم يجدوا صمام أمان طبيعي لها فإنها تنقلب بدواخلهم الى وحش خرافي ينهش طمأنينتهم وهدوء انفسهم..
 
وما العنف اللفظي والجسدي والتنمّر المتنامي بين الناس الا نتيجة حبس هذه المشاعر، وتقطّع سبل وجسور الحوار وغياب الروح الرياضية الحقيقية.. و.. و..
 
يكفي اليوم كما يقول البعض سيناريو وحوار!
 
الم أقُل لكم بأن الحديث ذو شجون؟.
 
hashem.nadia@gmail