Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Jan-2021

حين يصبح النقد السينمائي مهنة من لا مهنة له!

 القدس العربي-عزيز الحدادي

الناقد السينمائي العربي يتهم ولا يهادن، يهاجم ولا يدافع، هذا هو المشترك بين كتب النقد السينمائي التي قادتني إلى الطريق المسدود، أي هذا الطريق الهايدغري الذي يشير إلى الوجود، ولكنه يتيه في الزمان، ونظرا لعدم وجود جدل بين النقد والسينما، وبين النقد والفلسفة، سأكتفي بنقل صراع الآراء وبعض الدلالات الفاقدة للرؤية العميقة، كما سبق تحديدها فلسفيا، حيث تحولت إلى سخرية وتهكم، لكن هذا لا يمنع من التنويه بتلك الأعمال الجادة، سواء في الترجمة أو الكتابة النقدية، لأن مهمتنا ليست نشر العدمية، بقدر ما أنها تريد الهدم مع البناء، طالما أن الفن السينمائي يحتاج إلى من يحميه، ولو كان ذلك عن طريق النقد الإستيطيقي، ولذلك نجد أن أغلب نقاد السينما عندنا أساتذة الفلسفة، فالفلسفة تحمي السينما من الانهيار.
يقول روسوليني «المفروض في المرء عندما يتهم أن يهاجم، ويهاجم بحيوية حقيقية، والاتهام لا يكون حقيقيا إلا متى أدرك المرء أن شيئا ما في الحياة يجري خطأ، ومتى كان على استعداد للوقوف والنضال في سبيل تصحيح كل ما هو خاطئ». وبما أن تصحيح الخطأ هو جوهر كتاب تأملات ميتافيزيقية لديكارت، فإن روسوليني يلقي بالسينما في مملكة الميتافيزيقا، ربما لأنه كان ديكارتيا يعتز بالكوجيطو؛ أنا أفكر إذن أنا موجود، أو قد يكون هيغيليا يبحث عن عقل السينما في الميتافيزيقا والفن المطلق في التاريخ، بيد أن ما يهمنا ليس معرفة الأصل الفني لروسوليني، بقدر ما أننا سنحتاج هذا الموقف، من أجل مقارنته بمواقف صناع السينما في العالم العربي، لأنه باستثناء بعض الأسماء المشار إليها، بالجوهر والتي جاءت من الفلسفة إلى السينما، نكاد نجزم أن ما ينقص فن السينما هو فن التأملات الميتافيزيقية، وليس هناك من تعميم لهذا الحكم على النقاد والمخرجين، خاصة أن سؤال الذات ككوجيطو قد تم نسيانه بشكل مطلق، ولم يعد يهيمن على رؤية النقاد للسينما، ولذلك تحولوا إلى نقاد للأفلام والمهرجانات، فكيف يمكن أن نفهم عبارة نسيان الفلسفة في السينما العربية؟ وأين يبدو تأثير هذا النسيان؟ هل على استيطيقا الصورة؟ أم على نظرية النقد السينمائي؟
السينما في نشأتها المأساوية لم تجد مدرسة نقدية تدعمها، ولذلك ظلت غارقة في النمطية والثرثرة، تكرر الأخطاء نفسها إلى درجة انها تحولت إلى لعبة بين الواقعية السطحية والتسلية المملة، وينسى أصحاب هذا التوجه، أن السينما لا تكون واقعية إلا عندما تخلصنا من الواقع المشار إليه، ولا تصبح كوميدية إلا عندما تدير ظهرها للمحاكاة الميكانيكية، أي تتحكم في الرؤية العميقة للفنان، فنظرة السينمائي إلى العالم ينبغي أن تكون خاضعة لعلم الجمال وميتافيزيقا الفن، التي جعلت من الفنانين سطحيين من شدة عمقهم. هكذا دخلوا إلى الفن واختاروا الإقامة فيه.
فالفنان هو من يحب الفن أي يتحدث بالطريقة التي يتحدث بها الفن، إنه يظهر في ضوء الفن إلى حد إثارة الدهشة، والدهشة أصل الفن والفلسفة، ولا تظهر إلا في تلك الشعوب المتعافية من سموم الخرافة والشعوذة. «إن الفلسفة لخطيرة جدا حين لا تكون مالكة لجميع حقوقها، وهذه الشرعية لا تمنحها إياها إلا عافية الشعب، ولكن ليس مطلق الشعب». بمعنى ذلك الشعب المؤهل فكريا للفن والفلسفة.
 
على كل حال هذا هو مجال النقد السينمائي العربي الذي لم يتجاوز بعد مرحلة الخصومات الشخصية، ظل يكرر الخطأ نفسه الذي سقطت فيه الثقافة العربية بشكل عام، حيث النقد تحول إلى حرب طائفية. فتاريخ النقد السينمائي العربي هو تاريخ أخطائه، والشاهد على ذلك هذا الكتاب الذي يحفل بالأخطاء.
 
من المؤكد أن ينبوع الفن لا يمكن ان ينفجر إذا لم يسبقه ينبوع الفلسفة، أما إذا كان التدين الشعبي هو المهيمن، فإن الخرافة تأخذ مكان الفن والأسطورة مكان الفلسفة، ولذلك يقول نيتشه «إن لدى الشعب الإغريقي حكماء، في حين أن لدى الشعوب الأخرى قديسين» فكيف يمكن للفنان أن يتفلسف في مجتمع فقهاء الظلام؟ وكيف يستطيع أن يتسلح بالابتهاج الغامر في غياب السعادة؟ بل كيف يستطيع فن السينما أن يفكر في وجوده، حتى لو كان مجنونا؟ ثمة رغبة ملحة في عرض صراع النقاد في ما بينهم، ما جعلهم ينسون السينما كأفلام، ولذلك جاءت كتبهم بصراع الآراء التي تفتقد إلى الثقافة السينمائية وعمقها النظري، بالإضافة إلى افتقارها إلى الجدل الفلسفي، فهي عبارة عن خصام بين النقاد، قبل أن يكون خصام الشيء مع ذاته. هكذا وجدنا صعوبة كبيرة في التمييز بين ما كتب عن السينما العربية، وما ترجم من مؤلفات عالمية، يقول مصطفى محرم مترجم كتاب «معالم النقد السينمائي» من الإنكليزية إلى العربية: «وأصبح معظم ما يطالعنا من الكتابات السينمائية النقدية أقرب إلى تصفية الحسابات الشخصية أو الانطباعات الذاتية في أحسن الأحوال».
ولذلك نجد المترجم يعلن عن استيائه العميق من مهزلة النقد السينمائي العربي، والسعي إلى لعب دور المنقذ من الضلال قائلا «قد يتساءل البعض عن السبب الذي يجعلني أبحث وأقرأ وأترجم لبعض الدراسات التي كتبت بالإنكليزية عن النقد السينمائي، ماذا نفعل ونحن نرى أمر النقد عندنا ازداد سوءا، بل أصبح النقد السينمائي مهنة من لا مهنة له».
لم يتردد هذا الكتاب في ذكر هؤلاء النقاد بالاسم، كما أنه يتهمهم بالقصور الفكري، وانعدام العمق المعرفي، فهم عندما يمارسون مهنة النقد السينمائي، يتقمصون شخصية الناقد الأدبي، فالسينما، في نظرهم لا تختلف عن الأدب، ولذلك فإن «المتأمل لتاريخ السينما العربية يجد أن التقدم الذي واكب الفن السينمائي، خاصة من الناحية التقنية لم يواكبه تقدم مماثل في شكل النقد السينمائي، ونجد أن ما كان يكتب في النقد السينمائي من حوالي خمسين سنة، لا يختلف عما نقرؤه الآن». فما هو يا ترى الدافع الحقيقي وراء هذا الهجوم العنيف على نقاد السينما العربية؟ وما الغاية من استعراضه في هذا المدخل؟ ألا يكون صراع الأفكار انعكاسا لصراع الأيديولوجيات؟ ألا تكون الثقافة السينمائية الرجعية هي نفسها ثقافة الكهنوت بلغة لينين؟ وبعبارة أوضح ألم يكن غياب الفلسفة وراء غياب الرؤية العميقة وظهور مهزلة النقد ونقد النقد؟
الملاحظ أن الناقد النمطي ينتقد تلك الأخطاء التي سيرتكبها هو نفسه، إذ يتهم الكتب المتواضعة بأنها أشبه بكتب تعليم القراءة والكتابة، حيث يقول «مثل كتاب أحمد بدرخان عن فن السينما، وكتاب مصطفى حسين عن الفيلم، وكتاب محمد كامل جمعة الذي لا أتذكر عنوانه، فقد كانت لديّ نسخة واحدة أخذها مني الصديق سمير فريد ولم يعدها لي». لعل هذا الرجل إما أنه مجنون، وإما أنه أن يعجل بجنوننا، لم أندهش في حياتي مثلما اندهشت أمام ناقد بالاسم ينتقد كتابا ولا يتذكر عنوانه، ويتذكر بأنه أعاره لصديقه ولم يعده، بمعنى أنه سرقة، وهي تهمة موجهة للناقد سمير فريد.
على كل حال هذا هو مجال النقد السينمائي العربي الذي لم يتجاوز بعد مرحلة الخصومات الشخصية، ظل يكرر الخطأ نفسه الذي سقطت فيه الثقافة العربية بشكل عام، حيث النقد تحول إلى حرب طائفية. فتاريخ النقد السينمائي العربي هو تاريخ أخطائه، والشاهد على ذلك هذا الكتاب الذي يحفل بالأخطاء.
 
كاتب مغربي