Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Aug-2019

الأقوياء هم الذين يعرِّفون العدالة..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد-يُنسب إلى رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، قوله: “لا يهم أن تكون العدالة في جانبك. عليك أن تصوِّر موقفَك على أنه عادل”. وفي الحقيقة، برع مهندسو المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين في تطبيق هذه الفكرة. ففي غياب رواية قوية مناقضة قوية، سوق دعائيو المشروع احتلال بلد شعب حاضر وحيوي وطرده منه على أنه عمل عادل، على أساس أن اليهود مظلومون تعرضوا لمذبحة في ألمانيا، ويريدون جلب الحضارة لبلد متخلف شبه فارغ، وأن الله منح فلسطين لليهود.

ربما لم تعد هذه الرواية غير المقنعة مقنعة كثيراً الآن، بعد عولمة الإعلام والمعلومات. لكن ثمة فكرة أخرى عن العدالة قيد التطبيق، فيها بعض التعديل على مقولة نتنياهو: “لا يهم أن تكون العدالة في جانبك. عليك أن تمتلك القوة لفرض عدالتك على الآخرين”. وهذه إحدى تنويعات ما يقترحه الواقع مراراً: أن “الحق تصنعه القوة”. أما إذا لم تكن بلا قوة لك أو واحدة تسندك، فسوف تكونُ بلا صوت وكأنك تنادي من خلف زجاج سميك عازل.
العدالة مفهوم نسبي. لكن هناك أحكاماً أخلاقية كونية تستند إلى الحس السليم والمنطق الفطري. سوف يستحيل الدفاع عن الاحتلالات، ومصادرة حرية الآخر بلا سبب، وقتل الأبرياء والأطفال، وتسويقها على أنها عادلة. ومع ذلك، يقوم الكيان الصهيوني بكل ذلك جهاراً، ويجد من يدافع عنه ويحميه ويزوده بالسلاح والأدوات لفرض موقفه –حتى على الهيئات الأممية- وكأنه موقف عادل.
عندما احتل العراق الكويت، لم يمضِ طويل وقت قبل تشكيل تحالف دولي من الجيوش التي تداعت لتحقيق ما عرَّفته بأنه عدالة ورفع للظُّلم عن الكويتيين. وفي المقابل، مع اعتراف نفس قوى التحالف وكل الآخرين في العالم بأن هناك احتلالا في جزء من فلسطين على الأقل، فإنها تتصور “عدالة” مختلفة عندما يتعلق الأمر بتحرير الفلسطينيين ورفع الظلم عنهم. وفي حين تُفرض العقوبات الخانقة على كوريا الشمالية وإيران –ناهيك عن تدمير ليبيا والعراق- بسبب برامجها النووية الحقيقية أو المتصورة، يجري غض الطرف عن ترسانة الكيان النووية، التي لا بد أنه حصل على تكنولوجياتها وأدواتها بمساعدة وتواطؤ هذه القوى نفسها. كما ترى هذه القوى عدالة في امتلاك أدوات القوة والفتك والهيمنة، وحرمان الآخرين منها.
كان آخر مظاهر تجاهل العدالة، بمبرراتها الكونية، استبعاد الكيان الصهيوني من “قائمة العار” الخاصة بمعاملة الأطفال في حالات النزاعات المسلحة، والتي تضم الدول التي ترتكب انتهاكات جسيمة بحق الأطفال. وقال تقرير نشرته صحيفة “الغد” قبل أيام: “وفيما يتعلق بأطفال فلسطين، ذكر تقرير (الأمم المتحدة) أن العام 2018 سجّل أعلى نسبة قتل وإصابة أطفال منذ 2014، إذ استشهد 59 طفلاً فلسطينياً وأصيب 2.756 بجروح، معظمها كانت خلال مسيرات العودة في قطاع غزة، وشملت الإصابات إعاقات دائمة وبترا للأطراف، وفي الضفة والقدس المحتلتين تقاسم جيش العدو والمستوطنون المسؤولية عن حالات العنف ضد الأطفال.
وأضاف التقرير: “وفق تحقيقات الأمم المتحدة، فإن 203 من الأطفال يقبعون في السجون الصهيونية معظمهم قيد الاعتقال الإداري من دون محاكمة، وحتى نهاية كانون الأول 2018، سجّل التقرير وجود 87 طفلاً في سجون الاحتلال بحكم قضائي، ويخضع هؤلاء الأطفال لظروف اعتقال صعبة وسوء معاملة”.
كل هذه الأرقام لم تبرر إدراج الكيان الصهيوني في قائمة العار، حتى بعد أيام من تداول قصة الطفل الفلسطيني محمد ربيع عليان، 4 سنوات، الذي استدعته سلطات الاحتلال للتحقيق معه بتهمة إلقاء الحجارة على سيارة شرطة اقتحمت بلدته المحتلة. وذُكر أن الكيان وُضع أكثر من مرة على القائمة، ثم أزيل منها عندما وصلت الأمين العام للأمم المتحدة، تحت ضغط الكيان وأميركا. وهذا الاستثناء يُظهر انتهاكات الاحتلال وكأنها شيء عادل لا تجوز إدانته حتى بهذه الطريقة الرمزية.
من الواضح أن العدالة في العالَم، على أي مستوى، مفهوم يُعرِّفه الماكرون والأقوياء فقط في تحققه العملي. ولذلك، إذا أراد أحدٌ تحقيق العدالة لما يراه قضية عادلة، فإنه لن يحققها بغير امتلاك هاتين الإمكانيتين. لن تربح أي قضية عادلة حقاً بالدعاء والتوسل وانتظار الرحمة من الخصوم. سوف يفرض هؤلاء دائماً عدالتهم ويتركون العدالة الأخرى مهجورة ومزدراة في منطقة التجريد.