Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jun-2017

مسألة ذَوْق - ابراهيم العجلوني
 
الراي - كان «يونس بن حبيب الضّبي» (ت 182 هجرية) عالماً بالشعر «نافذ البصر في تمييز جيده من رديئه، عارفاً بطبقات شعراء العرب، حافظا لاشعارهم، يرجع اليه في ذلك كله» وهو صاحب القول المأثور حين سُئل عن اشعر الناس، حيث أجاب: «لا اومئُ الى رجل بعينه ولكني أقول: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والاعشى إذا طرب»، ولعله بذلك ان يكون من آباء التفسير النفسي للأدب، وإن في إجماله هذا لما يمكن بسطه او تفصيله في عشرات الصفحات، ولكن ما يستوقفنا من حديث هذا الناقد الكبير هو مجيء «مروان بن ابي حفصة» الشاعر الى حلقته ومبادرته بالقول: «أصلحك الله، إني أرى قوماً يقولون الشعر لان يكشف احدهم سوأته ثم يمشي كذلك في الطريق أحسن له من ان يُظهِرَ مثل ذلك الشعر، وقد قلت شعراً أعرِضه عليك، فإن كان جيداً أظهرته، وإن كان رديئاً سترته».
 
وإذا كان في هذا القدر من حديث يونس بن حبيب ومروان بن ابي حفصة الشاعر ما يبعث على التأمل في واقع الشعر والشعراء أيامنا هذه، فإن في بقية الحديث ما يُظهرنا على جانب من تجليات الذائقة النقدية العربية في مرحلة متقدمة من تاريخنا الأدبي، فلقد أنشد الشاعر الناقد البصير قصيدته التي مطلعها:
 
طرقتك زائرة فحي خيالها
 
بيضاء تخلط بالجمال دلالها
 
فقال له يونس: يا هذا، اذهب فأظهر هذا الشعر، فأنت والله فيه أشعرُ من الأعشى في قوله:
 
رحلت سُمية غُدوة أحمالها
 
فقال له مروان: سررتني وسؤتني، سررتني بارتضائك شعري، وساءني تقديمك اياي على الاعشى وانت تعرف محلّه.
 
فقال له يونس: إنما قدّمتك عليه في تلك القصيدة لا في شعره كله لانه قال فيها:
 
فأصاب حبّه قلبها وطُحالها
 
والطحال لا يدخل في شيء إلا أفسده، وقصيدتك سليمة من هذا وشبهه.
 
هذا ما ذكره ياقوت الحموي في «معجم الأدباء» وهو ذو دلالة مؤكدة على فارق ما بين قوم احتفلوا بلغتهم وآدابها وكانوا مستبصرين أُولي ذائقة مرهفة تتجافى بهم عن ساقط القول ومتهافت التعبير، وبين اقوام يتداركون في مسايل الركاكة وظُلمات العجمة، ولا يتورّعون عن كشف سوءاتهم على حد تعبير مروان بن ابي حفصة، بل يتفاخرون بذلك ويرونه «حداثة» وتقدّما (لا ندري الى اين)، ويريدون ان يمدّوا ظُلمة على سائر اجناس الادب، ولا سيما هذه الروايات المتكثرة التي تعول على الفضول، حتى لقد صارت واجهات المكتبات معارض لعناوين معجبة تحسبها لاول وهلة دكاكين للملابس الداخلية كالسراويل التي كثرت اصنافها وألوانها، وشر المصيبة ما يضحك..
 
***
 
ونحن على اية حال في زمن ينادي الناس فيه بالديمقراطية وحرية التعبير ويذهب بعضهم مذاهب غريبة في تمثل ذلك، ونحن لا نماريهم في ذلك احترافا «لهذه» الديمقراطية التي يلهج بذكرها مَنْ لا يعرف مصادرها ولا مآلاتها، ولكننا ننبه الى ما يفترضه الذوق السليم من نشر غسيل الملابس الداخلية في الافنية الخلفية للمنازل لا في شرفاتها الخارجية وعلى رؤوس الاشهاد.
 
***
 
احاديث يفضي بعضها الى بعض
 
وحسبُك من شرٍ سماعُهُ.