Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Aug-2017

«في تفسير الحال العربي (3)» - ا.د. كامل صالح أبو جابر
 
الراي - من أهم أسباب استمرارنا فيما نحن فيه من حال، صراع الغرب المتجدد عبر التاريخ معنا، هذا الغرب الذي هو اقرب الينا جغرافياً وحضارياً والذي ما يزال يصر اليوم على السيطرة علينا وعلى منطقتنا والذي تمكنت الصهيونية العالمية من التغلغل فيه والتعامل معنا من خلال عدسة الصهيونية ومفاهيمها التي جردته من الكثير من المثل العليا الانسانية كحقوق الحياة الكريمة والاستناد إلى قوانين الانصاف والعدل واحترام الآخر.
 
ولكن بالمقابل لا بد من طرح سؤال حول فهمنا نحن لعالم الغرب هذا، ولماذا تمكنت الصهيونية من تجييره لصالحها؟ فهماً يتجاوز النقاش السطحي وتبادل الاتهامات، هذا الغرب الذي كنا نحن على مستوى تقني وحضاري شبه متساوٍ معه حتى لحظة ما في نهاية العصور الوسطى، ما الذي حدث عندهم ولم يحدث عندنا بحيث اصبحوا هم على ما هم فيه، بينما ما زلنا في حال المخاض والمراوحة مكاننا.
 
يقول مثل بدوي عندنا :»اللي بالرجال ينعد» اي على الانسان ان يتعرف على خصال من يتعامل معهم حتى اعدائه ليتمكن من التعامل معهم بشكل معقول، فهل حاولنا فعلاً ان نتعرف على مكامن الضعف والقوة أو الدوافع خلف تصرفات اسرائيل والغرب لنعرف على الأٌقل كيف نحمي أنفسنا؟.
 
المسألة على جانب كبير من الأهمية لا لأغراض تفسير ما نحن فيه اليوم من حال وانما لأهمية ذلك على مستقبلنا، حيث اعتقد ان أهم معضلة تواجه دولنا العربية هي كيفية التعامل المعقول مع هذا الغرب ووليدته اسرائيل بحيث نضمن ان المستقبل، مستقبل بلادنا واولادنا واحفادنا وحضارتنا، لن يكون مجرد استمرار للماضي القريب ولا الحاضر المرير الذي نعيشه اليوم.
 
من الواضح ان العرب، ربما باستثناء مصر، لا راغبين ولا قادرين على تقديم أكثر مما قدّموا حتى اليوم، وان المجابهة المستقبلية، على الأقل في الأمد المنظور، تقع بالدرجة الاولى على اهل فلسطين والأردن، والدعم الحقيقي الذي تقدمه مصر عسكرياً وسياسياً. ولكن لا بد من التأكيد ان مثل هذه الخاطرة لا تعنى اعفاء العرب كلياً من مسؤولياتهم بل الاكتفاء بالطلب اليهم تقديم الدعم المعنوي والسياسي والاقتصادي الضروري للمجابهة المستقبلية وان تتصرف كل دولة حسب قدرتها ورغبتها مع الغرب ولكن دون خجل أو وجل كما يفعل بعضها اليوم.
 
تأتي هذه الخاطرة في ضوء احداث القرن العشرين والمواجهة الغربية–الصهيونية مع العرب وبالذات في ضوء حرب السنوات الست 1967-1973 التي كان دافعها الرئيسي الابقاء على سير الملاحة في قناة السويس دون عائق.
 
منذ نهاية هذه الحرب تم نزع القناع عن نوايا اسرائيل–الغرب بشكل واضح وبحيث لا يوجد هناك ادنى شك بأن السلام، اما ان يكون سلاماً اسرائيلياً بمعنى السيادة الكاملة على فلسطين والجولان السوري كذلك، أو لا يكون، تتعاقب الحكومات في معظم دول الغرب، ويتعاقب علينا رؤساء الدول والوزارات وتتم الاجتماعات واللقاءات والمعاهدات والتصريحات والوعود ولكن يبقى الاحتلال الاسرائيلي جاثماً على الأرض.
 
كل هذا يعني ان السياسة الغربية التي وضع أسسها رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان عام 1907، والتي تمتد جذورها إلى وعد نابليون في مونبلييه 1799 لعودة اليهود إلى فلسطين والتي تتغلغل جذورها كذلك لتعود إلى حروب الفرنجة، لم تتغير ولم تتبدل أبداً.
 
هنا، يجب علينا ان نحسب حسابه حين نفكر بمستقبلنا ومستقبل احفادنا، الأمر الذي يحتم علينا اعادة نظر كاملة وشاملة فيما فعلنا وما يجب علينا ان نفعله.
 
ولعل اول ما يجب علينا ان نفعله ان نؤكد ان الامر ليس ميؤوس منه، لا بل العكس كذلك اذ اثبتت امتنا العربية وقبلها فلسطين والأردن ومصر انها قادرة على النهوض مرة اخرى، ولكن المطلوب هو العمل بجدية وصمت وتحمل واشراك شعوبنا بصنع القرار ووضع الخطط لاجيال طويلة لا مجرد هبة أو فزعة.
 
علينا ان نعمل على اقناع الغرب ولكن بصمت وجدية اننا لن نستسلم ابداً واننا سنعمل على احياء القيم الراقية والرفيعة التي شوهتها الصهيونية عندهم كحقوق الانسان والمساواة والانسانية بكافة أبعادها لتعود وتسود مرة اخرى لدى شعوبهم.
 
مرة اخرى لا بد من طرح السؤال وهل بامكاننا مواجهة الغرب وحالنا هو ما هو عليه اليوم؟ الاساطيل الغربية وصواريخها وطائراتها تحيط بنا من كل حدب وصوب: في البحر الابيض المتوسط والأحمر وبحر العرب والخليج العربي.
 
وعلينا ان نتفكر في كيف تم تدمير بغداد قبل ان يدخلها ولو جندي غربي واحد وكيف حصل ما يحصل في اليمن وليبيا وكيف تقسم السودان وكيف تم تدمير سوريا اليوم وكيف استفحلت علينا ما نسميهم بدول الجوار ومن هو الصديق ومن هو غير ذلك، وكيف ننسى فلسطين؟
 
حضارة الغرب الفتية ووليدتها اسرائيل ما زالت تزداد اندفاعاً وشراسة تتحدث بالمُثُل العليا وتفعل ما تفعل، قادرة ولها اليد الطُولى وعلينا ان ننتبه إلى ذلك.
 
في مثل هذا الواقع علينا ان نفكر بروية لا ان نندفع بحماسة، ان نفكر ونعمل سياسيا لا بما نؤمن به عقائديا. لا اسرائيل ولا الغرب يريدون عرباً بعقل وهو امر يجب علينا ان نتذكره وبالذات ان الزمن اليوم ليس معنا، واعود مرة اخرى إلى الفارس البدوي حين «يلبد» اذا ما واجهه امر لا قدرة لديه عليه، ونلبد إلى حين نتعلم، ونُعلّم اولادنا وأحفادنا طرق تفكير ووسائل العصر.