Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-May-2017

في بني غانم - د. صلاح جرّار
 
الراي - قضيت العام الجامعي 1992/ 1993 في إجازة تفرّغ علمي في العاصمة الإسبانية مدريد لإجراء بعض البحوث في الأدب الأندلسي والحضارة الأندلسيّة، وكان ضمن برنامجي في ذلك العام أن أزور أكبر قدر ممكن من القرى والمدن والمواقع الأثرية العربيّة في الأندلس، وقد خصصت نهايات الأسابيع لزيارة تلك المواقع مع بعض الأصدقاء من الأساتذة الإسبان والألمان والإنجليز والمغاربة ممّن كان يجمعني معهم اهتمام مشترك بتلك المواقع.
 
وكان من بين الموضوعات التي قمت بدراستها موضوع (جزيرة شقر الأندلسيّة في الأدب الأندلسي)، وهي الجزيرة القريبة من مدينة بلنسية عاش بها عدد من مشاهير شعراء الأندلس منهم ابن خفاجة وابن مرج الكحل وأحمد بن طلحة وغيرهم. وهي جزيرة نهرية يحيط بها نهر شُقْر من جميع الجهات، ولذلك اشتهر شعراؤها بوصف الطبيعة.
 
وقد خصصت لزيارة هذه الجزيرة أسبوعين، زرت خلالهما آثارها وأسوارها وقلاعها وشواطئها وبساتينها ومكتباتها، كما زرت مدينة بلنسية والنواحي التابعة لها.
 
وفي أثناء تجوالي في نواحي بلنسية لفتت نظري شاخصةٌ مكتوب عليها بالإسبانية Beniganim (بني غانم) تشير بسهمٍ إلى قرية يمكن مشاهدتها من بعيد، ولم أكن سمعت بها من قبل، فأثار الاسم اهتمامي، وقررت أن أشدّ الرحال إليها رغم تذمر صديقي الإسباني الذي كان يرافقني يومذاك، لكنه استسلم لرغبتي حينما رأى شدة اهتمامي بالمكان، ولمّا لم يكن هنالك وسيلة مواصلات عاجلة، فقد جعلنا حقائبنا في ظهورنا وسرنا على أقدامنا بالاتجاه الذي يشير إلى السّهم، وسرنا بين بيارات البرتقال والحمضيات وكانت في وقت إزهارها، وكان المكان كأنّه معطّر الآفاق، وكنا نمشي ونستريح، ونحن نسمع تغريد الطيور في البيارات، إلى أن وصلنا إلى القرية.
 
وصرت أتلفت حولها وفي داخلها بحثاً عن أية آثارٍ قديمة تشير إلى (بني غانم) التي سميت القرية باسمهم، كانت قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن خمسة آلاف، لكنّها قرية نظيفة وأنيقة ومرتبة وأهلها طيبون، وتتبع لناحية تسمّى (Vall d›Albaida) البيضاء. ودخلنا مطعماً صغيراً يقدّم الساندويشات، فتناولنا بعض الساندويشات والمشروبات، وسألنا صاحب المطعم، الذي كان لطيفاً جدّاً معنا –عن القرية والأماكن الأثرية فيها وعن سبب تسميتها، فلم يعرف شيئاً، ولم يكن أمامنا سوى أن نتجول في القرية وخارجها، ولكنّ الوقت لم يكن كافياً، وكان لا بدّ لنا من العودة إلى (الجزيرة Alcira) قبل غروب الشمس.
 
وقد أخرجت خارطة المدينة من حقيبتي ونظرت فيها فإذا بناحية البيضاء التي تتبع لها قرية بني غانم مليئة بأسماء القرى ذات الطابع العربي مثل: بني سودة (Benisoda) وبني صويرة (Benisuera) وسالم (Salem) وبني أتجر (Beniatjar) وبني كوليت (Benicolet) ووادي الساقية (guadasequies) وغيرها.
 
ثم عدنا بالحافلة إلى جزيرة شقر (Alcira) وفي النفس شيءٌ كثير، وما زال، من بني غانم وبني سودة وبني صويرة والبيضاء وغيرها من القرى البلنسية التي تحمل أسماء عربيّة إلى اليوم. يراودني شعورٌ دائم بأنّ تحت كلّ حجر وتحت كلّ ذرّة تراب وفي قواعد كلّ بيت من بيوت تلك القرى التي تحمل أسماء عربيّة، آثاراً لا تعدّ ولا تحصى وكتباً ووثائق وقبوراً وقطعاً من العملة والذهب والفضة وغير ذلك، فقد حدّثني صديق لي إسباني أصله من مدينة لامانشا (La mancha) التي تنسب إليها الشخصية الخيالية الإسبانية دون كيخوته (دون كيشوت)، فقال لي إنه عندما كان طفلاً كان يخرج مع رفاقه الأطفال إلى قلعة إسلامية قديمة وكانوا يجدون حولها قطع عملة مكتوباً عليه بالعربيّة، وأنّه ما زال يحتفظ ببعض تلك القطع.
 
salahjarrar@hotmail.com