Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-May-2021

الاستيلاء: إسرائيل، النكبة، و”الأشياء” (3-3)

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
ريبيكا ل. ستاين* – (مجلة الاثنولوجيا الفرنسية) العدد 2 للعام (2015)
 
“الأشياء” والاستيلاء غير الناجز ولكن هل الشعب الفلسطيني غائب حقًا؟ بمعنى -على الرغم من تضاؤل الوجود الفلسطينيي في الأراضي المحتلة الحضرية اليهودية في إسرائيل -هل يمكن أن يسكن التاريخ الفلسطيني المشهد اليهودي الإسرائيلي بطرق يفشل معظم اليهود الإسرائيليين في إدراكها في مسار حياتهم اليومية؟ للإجابة عن هذا السؤال، من المفيد العودة إلى مسألة “الأشياء” على نطاق المنزل؛ إلى كتالوج الأشياء المنهوبة التي تم استكشافها سابقًا: الكراسي، وأجهزة الراديو، والستائر. وهو معيار يجري تأمله بقوة في رواية غسان كنفاني للعام 1969 “عائد إلى حيفا” -وهي نص يتشابك، غالبًا بشكل مجازي، مع اللحظة التي عاد فيها الفلسطينيون الذين جُردوا من منازلهم وممتلكاتهم إلى داخل إسرائيل أثناء الحرب لتفقُّد ما كان لهم [Stein 2008]. في المشهد التالي، يصل بطلا القصة الفلسطينيان، سعيد وصفية، إلى منزلهما السابق في حيفا، ويقرعان الباب، وتُدخِلهما المالكة اليهودية الإسرائيلية الحالية، وهي نفسها لاجئة من أوروبا هتلر. وبمجرد دخولهما، يسكتشفان ما تبقى في المنزل من أشيائهما:
“وتبعها سعيد وبجانبه صفية، بخطوات مترددة بطيئة، وأخذا يميزان الأشياء بشيء من الدهشة. لقد بدا له المدخل أصغر قليلاً مما تصوره وأكثر رطوبة، واستطاع أن يرى أشياء كثيرة اعتبرها ذات يوم، وما يزال، أشياءه الحميمية الخاصة التي تصورها دائما ملكية غامضة مقدسة لم يستطع أياً كان أن يتعرف عليها أو أن يلمسها أو أن يراها حقاً. ثمة صورة للقدس يتذكرها جيداً وما تزال معلقة حيث كانت، حين كان يعيش هنا. وعلى الجدار المقابل سجادة شامية صغيرة كانت دائماً هناك أيضاً. وأخذ يخطو ناظراً حواليه، مكتشفاً الأمور شيئا فشيئاً، أو دفعة واحدة، كمن يصحو من إغماء طويل. وحين صارا في غرفة الجلوس، استطاع أن يرى مقعدين من أصل خمسة مقاعد هما من الطقم الذي كان له. أما المقاعد الثلاثة الأخرى فقد كانت جديدة، وبدت هناك فظة وغير متسقة مع الأثاث. وفي الوسط كانت الطاولة المرصعة بالصدف هي نفسها، وإن كان لونها قد صار باهتاً. وفوقها استبدلت المزهرية الزجاجية بأخرى مصنوعة من الخشب، وفيها تكومت أعواد من ريش الطاووس، كان يعرف أنها سبعة أعواد. وحاول أن يعدها وهو جالس مكانه إلا أنه لم يستطع، فقام واقترب من المزهرية وأخذ يعدها واحدة واحدة، كانت خمسة فقط.
“وحين استدار عائداً إلى مكانه، رأى أن الستائر قد تغيرت، وأن تلك التي اشتغلتها صفية، قبل عشرين سنة، بالصنارة، من الخيوط السكرية اللون، قد اختفت من هناك واستُبدلت بستائر ذات خطوط زرقاء متطاولة. ثم وقع بصره على صفية فرآها محتارة، تنقب بعينيها في زوايا الغرفة وكأنها تعد الأشياء التي تفتقدها…”. [Kanafani 1961/1984]
كما اقترحت دراستي، أعطت الدولة اليهودية الجديدة الكثير من المنازل الفلسطينية للمهاجرين الجدد، مملوءة بالذكريات والأثاث. وفي أعقاب حرب العام 1967 مباشرة، بعد فتح الحدود بين إسرائيل والأراضي المحتلة حديثًا أمام حركة المرور، عاد العديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم وأراضيهم السابقة لمعرفة ما حلّ بما كان لهم من قبل. ومع ذلك، في العرض شبه الخيالي لكنفاني، تُرك الأثاث والطفل في الخلف في حيفا لحظة الهروب في العام 1948. واستولى المُلاك اليهود الجدد على كليهما، وتم محو تاريخهما. ولكن، كما في الفقرة أعلاه، كان مصير الأشياء اليومية هو الذي يأسر عين كنفاني في هذه الرواية. ومن خلال هذه الصورة لغرفة المعيشة الخاصة، نتعلم شيئًا عن الدور القوي للأشياء اليومية في عملية تشكيل الدولة الإسرائيلية وصناعتها، وعن العمليات المزدوجة من المحو التاريخي والسطو على الملكية التي اعتمدت عليهما.
تشير رواية كنفاني القصيرة أيضًا إلى حدود الاستيلاء نفسه. وتشير إلى أنه على الرغم من أن تقنيات نزع الملكية الإسرائيلية أثناء الحرب وبعدها كانت متنوعة وعنيفة في كثير من الأحيان، إلا أنها كانت ناجحة جزئيًا فقط. وتشير رواية كنفاني الروائية إلى أن آثار الحياة الفلسطينية قبل العام 1948 تظل حاضرة على الدوام في المشهد الإسرائيلي -ليس فقط في القصص التي يرويها الفلسطينيون في المنفى أو في شكل المجتمع الفلسطيني الذي بقي داخل إسرائيل، وإنما في داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي نفسه؛ في داخل محيطه الأكثر حميمية، وتتجلى في أكثر أشيائه يومية.
لم يكن القصد من اهتمامي بالحياة الاجتماعية للأشياء الفلسطينية في المجتمع الإسرائيلي اليهودي -بدوائر وثقافات التملُّك على مختلف المستويات- أن يكون رواية عن الفقدان الفلسطيني، وأقل من ذلك، أن يكون محاولة لإعادة بعث ماضٍ فلسطيني مهزوم، بقدر ما أن يكون دراسة للطرق التي تم بها تطبيع هذا النهب والتجريد من الممتلكات في حياة وتخيلات اليهود الإسرائيليين. لكنها تشير، في الوقت نفسه، إلى الإخفاقات الجزئية لمشروع نزع الملكية والاستيلاء، ما يقترح بعض الطرق غير المتوقعة التي يستمر بها تاريخ الفلسطينيين وحياتهم من فترة ما قبل 1948 في استيطان الدولة القومية الإسرائيلية ومطاردتها في أكثر تقاطيع الحياة يومية للأماكن والأشكال. إن توجيه انتباه المرء إلى مستوى “الشيء” -كل من المشاهد الطبيعية والأشياء اليومية التي أعاد السكان الإسرائيليون اليهود ترميمها واستخدامها في فترة ما بعد النكبة- هو إعادة توجيه جذرية للطرق التي ندرس بها موروثات العام 1948.
في جزء منه، يهدف مثل هذا التحول إلى وضع أجندة جديدة لإنهاء الاستعمار في حقل الدراسات الإسرائيلية/ الفلسطينية. تاريخيًا، عرَّف العلماء والباحثون العاملون في هذا المجال هذه الأجندة بطرق مقيَّدة ومحصورة للغاية. وكان المشروع المطلوب هو التحقيق في شروط الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين، ونفيهم، وإخضاعهم، وتكوين حياتهم تحت الاحتلال بأشكالها المختلفة. وفي هذا المقال، كانت تكتيكاتي مختلفة. فقد تركزت عدستي على الحياة اليهودية الإسرائيلية اليومية؛ على المساحات والتجارب التي يتم من خلالها تعزيز الخيال القومي والسرديات التاريخية السائدة وتحديها على حد سواء. وبهذا، تكون دراسة ذكرى حرب 1948-1949 في هذا السياق -والنظر في المعاني المضادة للهيمنة التي تتم إدامتها “على مستوى الشيء نفسه”- هي النظر في الممارسات الصغيرة التي عاش الإسرائيلي اليهودي معها، والتي دمجت تاريخ الفقدان الفلسطيني في الأعمال اليومية للدولة القومية ذاتها.
وكما قال مُحدِّثي، فإن هذا يعني -في جزء منه- القول إن “صدمة” تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم هي أيضًا صدمة إسرائيلية -أي، قوة تأسيسية في تصنيع الدولة القومية؛ في تصنيع المواضيع والحساسيات السياسية الإسرائيلية. إنه يعني القول إن روايتنا عن نزع الملكية يجب أن تنتبه أيضًا إلى دورها التوليدي في إنتاج إسرائيل نفسها.
* * *
*Rebecca L. Stein: أستاذة الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة ديوك، تبحث في الروابط بين الثقافة والسياسة في إسرائيل في سياق الاحتلال العسكري الإسرائيلي وإرث نزع الملكية الفلسطينية. مؤلفة كتاب “لقطات: عنف الدولة أمام الكاميرا في إسرائيل وفلسطين”، Screen Shots: State Violence on Camera in Israel and Palestine (مطبعة جامعة ستانفورد، 2021)، الذي يدرس الاحتلال العسكري الإسرائيلي في عصر الهواتف الذكية العالمية ولقطات الفيديو واسعة الانتشار؛ “العسكرة الرقمية: الاحتلال الإسرائيلي في عصر وسائل الإعلام الاجتماعية Digital Militarism: Israel’s Occupation in the Social Media Age (شارك في تأليفه آدي كونتسمان ؛ مطبعة جامعة ستانفورد، 2015)، من بين كتب ودراسات أخرى.
*نُشرت هذه الدراسة تحت عنوان: Dispossession Reconsidered: Israel, Nakba, Things، في مجلة الاثنولوجيا الفرنسية Ethnologie française، وهي إحدى المجلات الرائدة التي تؤسس للأنثروبولوجيا الأوروبية. وتتناول المجلة أسئلة الشؤون العالمية الحالية أيضاً: الهجرة، والسياحة، والرياضة، والمساعدات الإنسانية والجنسوية. وتعتمد أنثروبولوجياها على المفاهيم الفرنسية بقدر ما تعتمد على المفاهيم الأنجلو-سكسونية.
مراجع الدراسة:
AMIT, Gish 2006 “The National Library collected tens of thou- sands of abandoned books during the war.We thank the military for their love and understanding in this matter [In Hebrew].” Mitam: A Review of Literature and Radical Thought 8:1-10.
AMIT, Gish 2007a “Li-mekor et ha-sepharim [Selling the books].” Mitam: A Review of Literature and Radical Thought 12:1-12.
– 2007b “Selling the books [in Hebrew].” Mitam: A Review of Literature and Radical Thought 12:1-12.
APPARDURAI Arjun 1986 The Social life of things : commodities in cultural perspective. Cambridge: Cambridge University Press.
BRoNSTEIN, Eitan 2007 “Response to ‘Chronicle of a Piece of Jewelry [in Hebrew].” In Ha-kibbutz.
BRoWN, Bill 2006 “Reification, Reanimation, and the American Uncanny.” Critical Inquiry 32:175-207.
FISCHBACH, Michael R. 2003 Records of dispossession: Palestinian refugee property and the Arab-Israeli conflict. New York: Columbia University Press.
FISCHBACH, Michael R. 2006 The peace process and Palestinian refugee claims: addressing claims for property compensation and resti- tution.Washington, D.C.: United States Institute of Peace Press.
KANAFANI, Ghassan 1961/1984 Palestine’s Children. Washington D.C.:Three Continent’s Press.
KARMI, Ghada 1994 “The 1948 Exodus:A Family Story.” Journal of Palestine Studies 23(2):31-40.
KhALIDI, Walid 1992 All That Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948.” Washington, D. C.: Institute for Palestine Studies.
KoPTYOff, Igor 1986 “The Cultural Biography of Things: Commoditization as Process.” In The Social life of things : commodities in cultural perspective. A. Appadurai, ed. Pp. 64-94. Cambridge Cambridge University Press.
KRYSTALl, Nathan 1998 “The De-Arabization of West Jerusalem, 1947-50.” Journal of Palestine Studies 27(2):5-22.
MORRIs, Benny 1987 The Birth of the Palestinian Refugee Problem, 1947-1949.” Cambridge: Cambridge University Press.
SAKAKINI, Hela 1987 Jerusalem and I: A personal record. Amman: Economic Press Co.
SEGEv, Tom 1984 1949, ha-Yisre’elim ha-rishonim [1949: The First Israelis]. Yerushalayim: Domino. 1986 1949, the First Israelis. New York: Free Press.
SMITh, Neil 1992, Contours of a Spatialized Politics: Homeless Vehicles and the Production of Geographic Scale. Social Text 30(3).
STEIN, Rebecca L. 2008 Souvenirs of Conquest: Israeli Occupations as Tourist Events. International Journal of Middle East Studies 40(4):647-669.