Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Aug-2017

خواطر وتداعيات من وحي الحياة - د. محمد القضاة
-1-
 
الراي - صوت:» خذلني الجميع، معذرة لن اثق بأحد»، هكذا بدأ المشهد، الناس يحبوك لوظيفتك لكرسيك لشأنك لمصالحهم ومنافعهم، وانت في قرارة نفسك تعرفهم وتخبر كل واحد فيهم، الأيام علمتك أصنافهم وألوانهم وطبيعة كل واحد بينهم. يقول بصوته الجهوري بلا تردد: خذلوني حين ظننت انهم أهل للمساعدة، خذلوني حين اعتقدت انهم يستحقون صحبتي، خذلوني حين دخلت الامتحان وحيدا، لأعرف انهم كانوا ينتظرون تشريحي على مذابحهم، ليتني ما عرفتهم، ليتني سمعت رأي غيرهم بهم، لأدركت انني المغفل في الزمن الغريب، بذلت وأعطيت ولم انظر خلفي، كنت اعتقد أني ابذر في تربة خصبة، اكتشفت انني المغفل الوحيد في الزمن الغريب، قدمتهم وأخروني، عملت لهم وانكروني، اخذوا حاجاتهم وحققوا مرادهم، وحين احتجتهم وجدت نفسي وحيدا. ثم اردف قائلا وبصوت لم اسمعه من قبل وكأنه يحدث نفسه: كنت وسأبقى صادقا مع نفسي، لن اخذلك أيتها النفس، سأُعطي بلا هوادة لمن يستحق، ومن اهتبل فرصة مني سأتركه لروحه ونفسه كي يعرف أنّ الرحلة في الزمن قاسية، وأنه سرق مني حبي له، وهرب بعظمةٍ لا تغني ولا تسمن من جوع، بعضهم أدخلته في التفاصيل المعقدة في تفاصيلي وعلاقاتي واكتشفت انتهازيته، حين أغيب يأخذ كل شيء دون أدنى اعتبار لوجودي، وقد ظن أني مغفلٌ وقليل حيلة، وظن غيره أني ما عدت أقوى على شَيْء، وتطول القائمة؛ لأقول لتلك النفس الصافية: إياك إياك ان تقدمي مخلوقا على نفسك، إياك ان تضعف امام أحد حتى وان كانت همومك جبالا، إياك ان تتنازل عن عطائك مهما تكالبت عليك المحن؛ ولا تعطي ضعاف النفوس فرصةً، ثم ختم مخاطبها؛ قدمت لهم روحي وصدري وفكري، وكل شيء، وخذلوني...واياك ان تخذل نفسك بنفسك.
 
-2-
 
هذا الصوت طالما ردد في أذني: «‏أقسى أنواع الألم ، تلمسه في ثلاث؛ رحيل الأحبة، وحقد الأقارب، وخذلان الأصدقاء». وكأنه يقول لي حين تجلس بمفردك وحيدا: لتتأمل ركب الماشين ولتقرأ أسفارهم وتقف بين لحظتين الاولى لك، تشعر فيها انك تحب لغيرك ما تحبه لنفسك، لا تؤذي احدا، لا تُزعل احدا، لا تتآمر على أحد، لا تزعل من أحدٍ، تجد نفسك بعد قليل أنك المغفل في زمن يطحن فيه الناس بعضهم بعضا بسبب وبلا سبب، تفكر وتقول في قرارة نفسك: ما بال الناس في تيهٍ واضطراب؛ وكأن عقولهم في اجازة، لا تدري حينها الصواب من عدمه، ولا الخير من شره، ولا الطيب من الخبيث، وسرعان ما تنحني للموجة، لأنك لن تستطيع ببساطتك وإنسانيتك ان تنتزع نفسك من الوحل المتراكم في زوايا الحياة. والثانية لهم ؛ فهم يأخذون كل شيء لا يحسبون شيئا لغيرهم، آنانيتهم طافحة، وكروشهم نافرة، وعيونهم جاحظة، وأيديهم طائلة، وألسنتهم تأكل الأخضر واليابس، وثقافتهم مصالحم ومكاسبهم، هنا تقف حائرا في نفسك المترعة بتشوهات المجتمع واتكاليته وعنجهيته، ولا تعرف انك بالكاد تستطيع ان تنظر في المرآة لشدة السواد، يالها من شحوب واسوداد، يا لها من ايام تعيد الحليم لجنونه لكثرة الانتهازيين والمنافقين وبائعي الشعارات واصحاب المصالح،..
 
-3-
 
لا تنتظر في الزمن العجيب من ينتصر لك غير نفسك وعملك، ولا تقعد تلوم زمنك، عليك بالجد والصبر والمثابرة والمهارة العالية، ولا ترحل من تيه لتيه في سبيل تيه اخرى، لأنك بحاجة لكل لحظة ثمينة، تعيد للطريق أفقه وحيويته، وللإنسان إنسانيته ووجدانه، ولا تركن لهذا الفضاء الافتراضي، ولا تصرف وقتك عليه، اتركه للفارغين والتائهين فيه، فأنت من واقع لا يقبل القسمة بين الكذب وعدمه، ولا تركن للمستحيل؛ لأنك تستطيع تجاوزه بالتصميم والارادة والعمل النبيل.
 
-4-
 
وجدته يقف في منعطف طويل، يحدث نفسه بحدة، يلومها تارة ويصرخ في قرارة نفسه تارة اخرى، قلت له: ما بالك في حيرة واضطراب؟ قال بلوعة وحزن كثيف: كانت أيامي مشرقة ونهاراتي مضيئة وكلماتي تنبض بالحب والحياة، وحين ذهبت لذاك البحر البعيد كانت نهاراته أصفى من زرقة السماء وأشهى من الترياق، واليوم غادر البحر ماؤه، وغارت السحب وهربت للبعيد البعيد، وحين عدت لصومعتي في الغابة وجدتها خاوية على عروشها تندب من جاء وولى، وتبكي حالها وهو يردد: مضى الزمن الجميل، وسافر الحنين، وما عاد في العمر غير خرائب الحزن الدفين، قلت له: إياك ان تبقى في هذا الأنين .
 
mohamadq@2002yahoo.com