Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Nov-2017

الانقلاب على الثورة - د. آية عبداالله الأسمر

الراي -  الإصلاح تاريخيا عادة ما يبدأ إما بالإصلاح السياسي هابطا السلم نحو بقية أركان الدولة، أو يحدث نتيجة ثورة شعبية تفرز إصلاحات شاملة ومتشعبة، أو أن الحركة الإصلاحية تتم من خلال تغيير وإصلاح الفلسفة التعليمية والنسيج المجتمعي والأرضية الفكرية الثقافية، مما ينتج عنه بالضرورة ضخ دماء نقية وجديدة في فكر وسلوك وتطلعات جيل كامل يقوم بإحداث التغيير وقيادة الإصلاح لاحقا من خلال ثورة تدريجية «ناعمة».

تعد الثورات الشعبية أخطر الطرق الإصلاحية وأكثرها وعورة، لأنها بحاجة إلى أسس نجاح فكرية «تنظيرية» وركائز نجاح ميدانية «تكتيكية»، والعديد من عناصر القوة والاستمرارية أمام الكثير من عوامل الاختراق والإفشال، كنا قد تحدثنا عنها في مقال سابق لنا بعنوان «لا يمكن قتل الأفكار بالمتفجرات».
 
ما دفعني لكتابة مقالي هذا ملاحظة تتكرر باستمرار لا في عالم السياسة فحسب، بل في مختلف مراحل تطورنا ونمونا الطبيعي على كافة الأصعدة والمستويات، لاحظت أننا نحمل في بذورنا نواة فنائنا، ونحمل في اليد اليمنى لبنات البناء وفي اليسرى معاول الهدم، نثور وننقلب على ثوراتنا، نرفض بشراسة التبعية لقيم السلطة الأبوية الديكتاتورية، ونقاوم بعنف التفرد الظالم بالسلطة والمستبد بالحكم، لننقلب على ذات القيم ونفس المبادئ التي ناضلنا من أجلها، حين نبدأ بتكميم الأفواه والتكبيل بأغلال الاستبداد بحجة الحفاظ على مكتسبات الثورة وحمايتها من القوى المعارضة لها، مما يثير بالنسبة لي السخرية والاستهجان، فقد كان هولاء الثوار بالأمس هم القوى المعارضة المطالبة بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، واليوم أصبح هؤلاء الثوار هم السلطة التي تحكم بالنار والحديد حتى تستقيم أمور الثورة!
 
هذا الصراع اللولبي المستمر وهذه الحركة التنازعية الدائمة من ضروريات الحياة التي تهدف إلى التطور الطبيعي والنمو المجتمعي، ويمكن فهمها بشكل أوضح وأعمق من خلال دراسة الأيديولوجية الماركسية وقانون المادية الجدلية (الديالكتيك) لماركس وإنجلز، استنادا على وتطوير فلسفة فيورباخ وهيجل الألمانية، إلا أنني لن أخوض في تعريفات ومعالم هذه الفلسفة العميقة المتشعبة بالرغم من أن امتدادها الاجتماعي أهم وأعمق من بعدها السياسي، إلا أنني لست معنية بتطبيقها السياسي بقدر ما لفت انتباهي إفرازها الطبيعي الإنساني، فالإبن الذي استشاط غضبا في يوم من الأيام أمام سطوة أبيه المفرطة، هو ذات الأب الذي يفرط في استخدام سطوته لحماية ابنه، والقائد الذي كسّر أصفاد التبعية هو ذات القائد الذي كمم أفواه الرعية، الطالب أو الموظف المغبون المظلوم كبر وتحول إلى أستاذ ومدير جائر وظالم، والمواطن المقهور الذي طالما لعن الوساطة والمحسوبية أصبح مسؤولا مضطرا للجوء للواسطة والمحسوبية لتسيير أموره العامة، وخلايا أجسادنا التي تنمو بنا لنكبر بها هي ذات الخلايا التي تذبل بنا لنضمر بها، الرجل والمرأة اللذان يتناحران ويتكاملان كالخير والشر اللذين لا يمكن تعريف أحدهما في غياب الآخر، كالجنة والنار والحق والباطل والليل والنهار، إلا أن كلمة السر ولحظة التوزان تكمن في أن يبقى صراع الأضداد متوازنا بحيث لا يسعى أي من الطرفين إلى إلغاء الآخر، احترام الرأي الآخر يعني الاعتراف بوجود الطرف الآخر، لكن ما يحدث هو أننا نسعى لإثبات حقنا في الوجود، وينتهي المطاف بنا إلى محاولة القضاء على وجود الآخر والتفرد بالوجود كاملا!
 
هنا فقط تنقلب الثورة على نفسها، وهنا تموت المبادئ في مهدها، وهنا فقط تفقد المطالب والحقوق والقضايا مشروعيتها وعدالتها ومسوّغاتها؛ لأننا في غفلة من المنطق فقدنا التوازن وانحرفنا عن المسار، وأضعنا قيم الثورة ووأدناها.