Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jul-2018

معرض ‘‘حلم آخر‘‘.. جمان النمري تنتصر للإنسانية مجدداً

 

رشا سلامة
 
عمّان-الغد-  بوسع من يرتاد معارض الفنانة التشكيلية الأردنية جمان النمري أن يتتبع سيرورة حياتها وأفكارها ومنعطفاتها الشخصية بشكل جلي؛ إذ هي تكاشف المتلقي، في كل معرض، بما يجول في خلدها، أولاً بأول، كما لا تمانع البتة أن تكرّر ثيمة ترى أنها ما تزال عالقة.
 
لذا، فإن النمري، المولودة في عائلة ذات باع طويل في النضال القومي، ما عادت تشعر بحرج ما في مكاشفة الآخرين بما يعتمل داخلها من مشاعر ورؤى حياتية، كانت مختفية في باكورة معارضها. الآن، باتت جمان تظهر بملامحها في لوحات كثيرة، كما غَدَت تناقش الثيمة العاطفية بأريحية أكبر، بالإضافة لكونها تعيد حضور ثيمات مهمة ناقشتها سابقا كما المرأة والطفولة والحروب واللجوء وهوس الكراسي في العالم العربي.
 
مشهدان يظهران بفرادة لافتة في معرضها الجديد "حلم آخر"، الذي يستمر حتى التاسع من آب (أغسطس) في غاليري دار المشرق في عبدون، هما نبتة الصبّار وماكينة الخياطة. الماكينة لدى النمري تطرّز صبرا وترمز للنسوة المكافحات والعاملات والصامتات بشكل خاص، والصبّار لديها مجبول في كل شيء بالحياة. لدى من يضطر للهجرة والسفر ولدى من تناضل لكسب قوت عيالها ولدى من تنتظر الحب المأمول وحتى لدى من تصنع قهوة الصباح وليس هنالك من يشاركها شربها.
 
جمان هي جمان، التي تعرفها على أرض الواقع فتصيبك بالدهشة من دفق الأفكار الزخمة لديها وحجم الثقافة الواسعة التي تتمتع بها؛ إذ لا حدود جغرافية تقف لديها، بل هي تهجس بالأطفال الغرقى الذين يفرون مع عائلاتهم إلى عرض البحر؛ هربا من الحروب في البلاد العربية، كما هو واضح في عمل فني دُس فيه جسد طفل في حوض مائي. ولا تنسى جمان شعب الخيام، الذي صار مؤخرا شعوب الخيام، فتمثلهم من خلال مجسم فني بكل ما كان ينطوي عليه البيت الحقيقي من تقسميات وبكل ما يناقضه على أرض الواقع من بؤس وقلة حيلة. وحتى الحيوانات غير منسيّة لدى النمري، التي تجسّد الثور الإسباني الشهير في حروب مصارعة الثيران في برشلونة، وكيف يخوض حيوان كهذا حربا لا ناقة له فيها ولا جمل، سوى أن الإنسان يرغب بتزجية وقته والاستمتاع بمشاهدته فاقداً صوابه.
 
تعليقا على الألوان الزاهية التي حفِل بها المعرض، تقول النمري "لم أشعر أن ثيمة المهرّج فارقتني منذ المعرض الفائت. ها هو قد غاب بقناعه الطريف، لكن ألوانه ما تزال حاضرة، وما يزال ساخراً من تناقضات هذا العالم ونفاقه".
 
الصبّار بألوانه المختلفة وأحجامه المتنوعة ومناطقه الكثيرة التي يتوزّع بها، يُعبّر بشكل أو بآخر عن النمري، التي ما تزال تنتهج الصبر حيال كل شيء: ضعف الاحتفاء الأردني بالفنان المحلي، رغم تميّزه في المحافل العالمية التي يشارك بها، وصبرها على فراق شقيق أصغر رحل تاركاً لشقيقته حوض ماء زجاجي لتستخدمه في المعرض وتاركا لها ولعائلته كلها دمعا لا يجف، وصبرها على قلة أخذ الرجال المرأة على محمل الجدّ، على الأصعدة كلها إنسانة وشريكة وفنانة ومناضلة.
 
ويُمثّل الصبّار جمان ليس على صعيد الصبر فحسب، بل وحتى صلابة القشرة الخارجية والتأهب لحماية الذات من خلال الشوك، فيما الجوهر غاية في النداوة والرطوبة والعذوبة. 
 
أحلام جمان، المُجسّدة في المعرض، هي أحلام شعبها العربي من المحيط إلى الخليج، وهي أحلام إنسانية بالمجمل تقتسمها الشعوب المقهورة كلها؛ إذ إن حقيبة السفر لدى جمان تضمّ بيتا داخلها، كما ظهر في أحد المجسمات الفنية التي صنعتها، وهي تهجس بمن تركوا البيت بذكرياته كلها وذهبوا للمجهول جرّاء الحروب، وكيف أن بساطيرهم مليئة بالصبّار، لكنهم ما زالوا يغذون الخطى للنجاة.
 
ضروب فنية مختلفة اختبرتها النمري، التي درست على مقاعد كلية الفنون في جامعة اليرموك، منها الأعمال التركيبية والفيديو آرت والتصوير الفوتوغرافي والنحت والتصميم الغرافيكي، لكنها انحازت للفن التشكيلي، ولعل الألوان الزاهية والقوية، التي باتت تختارها للوحاتها مؤخرا، ترتبط بحضورها الفني الذي صار مكرسا في الأعوام الأخيرة بشكل لافت.
 
تقول النمري، المولودة في العام 1974، إنها تنتمي للمدرسة الرمزية التعبيرية، وأنها انتقلت من مرحلة لأخرى خلال مسيرتها الفنية، التي بدأت منذ نهاية التسعينيات، موضحة "كان ذلك على صعيد الخامات والمواضيع والتقنيات؛ ذلك أني أملّ بسرعة وأحب التجريب، بل كلما وقعت عيني على تقنية فنية جديدة اتّجهت لها".
 
 تكمل "في البدء تنقّلت بين تيارات عدة في فن الغرافيك، ثم التصوير الفوتوغرافي ثم الأعمال التركيبية ثم ما نطلق عليه الرسم والتصوير".
 
عن وجود الطفل في لوحاتها وأعمالها التركيبية، تقول "بقدر ما يرعبني وجود طفل ما في حياتي، فإني أهجس به. هو الجزء البريء المتبقي من مجتمعاتنا، ويكذب من يزعم أنه يحظى بالأمان والحماية وسط جنون الكبار". وبقدر ما يحضر الطفل في لوحات النمري وأعمالها، تحضر المرأة أيضا. تقول "لا أقف مائة بالمائة مع المنهجية النسوية التي تحاول تصوير المرأة بالضحية دوماً. حاولت دوماً تصويرها بالمغبون حقها في مرات والمهيمنة في مرات أخرى، برغم ضآلة الحيّز الذي تراوغ به". 
 
نزعة المواجهة وعدم الركون للشكوى، تظهر أيضا عند حديث النمري عن المشهد التشكيلي الأردني، قائلة "قررت ألا أستسلم للقوالب الجاهزة التي يضعنا فيها الزملاء الذكور، ومن يقومون على المشهد التشكيلي المحلي أيضا"، موضحة "أعمالي الفنية هي الفيصل في الحُكم عليّ، والتي تسبق جنسي وجنسيتي وأي اعتبارات أخرى، وأحسب أني أفلحت؛ ذلك أني انتزعت الاعتراف بي كفنانة، وتغلّبت على ضحالة المعرفة الفنية لدى المؤسسة الرسمية ولم أعتمد عليهم في أي دعم يُذكر".