Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Jun-2017

محاربة التطرف فكرياً - رومان حداد
 
الراي - مع اقتراب الحرب على الرقة، واقتراب معركة الموصل من نهايتها، فإن تنظيم داعش كتنظيم متماسك موجود على أرض يديرها بات يعد أيامه الأخيرة، ولكن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال نهاية الفكر التكفيري، بل قد أغامر بالقول أن المعركة الفكرية مع الفكر التكفيري قد بدأت الآن.
 
وبالتالي علينا التعامل مع التطرف كمنظومة فكرية متكاملة، وليس حصر التطرف في مجال واحد هو التطرف الديني، وإن كان يستخدم كغطاء مقبول لدى فئات عدة لمجموعة من عناصر التطرف الأخرى كالتطرف الاجتماعي والإثني والطائفي والمذهبي، وغيرها من أشكال التطرف.
 
الخطورة الحقيقية هي أن التطرف صار يجد الأرضية الثقافية التي يرتكز عليها، وتغذيه وتمده بكل المبررات التي يحتاجها لتبرير وجوده، فظهرت حاضنة شعبية لظاهرة التطرف تأخذ دورها المهم في تغذية ثقافة التطرف من خلال تعزيز مفهوم الهويات الفرعية على حساب الهوية الجامعة، بالإضافة إلى إيجاد بيئة متسامحة مع التطرف.
 
وقد يكون من أبرز الأسباب التي ساعدت على تنامي ظاهرة التطرف هو دخولها إلى مضمار تحديث شكلها وبعض مؤسساتها، مع عدم ترافق ذلك ببرامج تساعد المجتمع على الدخول إلى الحداثة بمفهومها الحقيقي الذي يطور ويغير في بنية المجتمع وفي علاقته مع الدولة ومؤسساتها ومع مكونات المجتمع ذاته وفي أدواته التفكيرية التي تعبر عن هذه العلاقات الجديدة.
 
فالمجتمع لم يمر بأية تحولات جذرية تطال بنيته ولم يختبر أية تغييرات عميقة من داخله تساعده على تقبل المؤسسات الجديدة من منظومات قانونية أو ديمقراطية أو ما يؤهله لاحترام التعددية والاختلاف واحترام التفكير الجديد الإبداعي، بل تم الاكتفاء بالتغييرات السطحية، والمظهرية الشكلية، كالتغيير الذي أصاب المأكل والملبس وظهور بعض الأدوات اللغوية الجديدة عبر تبني لغة أجنبية أو لهجة جديدة نشأت في كنف هذا (التحديث) تعكس هشاشته أيضاً، كل ذلك لم يقد المجتمع إلى دخول مراحل التطور بل أدى إلى خلق بؤر جديدة للاصطدام داخل المجتمع نفسه.
 
التطرف كمرض معرفي يعني بالضرورة أن نقصان المناعة المعرفية لدى الفرد أو الجماعة هو ما يشكل العامل الأساسي للإصابة بالتطرف، وعليه فإن دور الدولة هنا يظهر بوضوح وجلاء أنه يتركز على ضرورة استعادة الفئات المستهدفة عافيتها المعرفية وتدعيم جهاز المناعة المعرفي لديها.
 
قد يرى البعض أن أبرز أسباب التطرف هي الأسباب الاقتصادية، وعدم كفاءة آليات توزيع الريوع في تحقيق العدالة والإنصاف، وقد يرى البعض أن الأسباب الرئيسة للتطرف هي أسباب سياسية مثل ضعف التمثيل الشعبي وضعف دور المواطن في صناعة القرار.
 
ومع احترامي لوجهات النظر تلك، إلا أني أرى أن الأسباب الرئيسة تعود إلى أسباب معرفية وأسباب اجتماعية، فضعف المنظومة المعرفية لدى العامة والنخبة المستحدثة أدى إلى ضعف الجهاز المناعي المعرفي، مما أدى إلى التطرف، وكذلك سرعة التبدل الاجتماعي سواء أكان على مستوى تكوين الوحدات الاجتماعية وأدوارها داخل المجتمع كمؤسسات مرجعية، أو كان على مستوى استحداث مرجعيات اجتماعية جديدة دون قدرة على إحداث التغيير المطلوب على مستوى القاعدة، جعل هذه المرجعيات مستنبتة بصورة غير فاعلة في بيئة اجتماعية رافضة لها.
 
كما أن انهيار منظومة الثقة بين اﻟﻤﺠتمع والحكومة ومن ثم المجتمع والدولة تعد سبباً إضافياً لتنامي ظاهرة التطرف، فعدم حدوث الإصلاح الاجتماعي أدى إلى ظهور مظلات تمثل هويات فرعية وإعلاء مصلحة هذه الهويات على الهوية الجامعة، ولم يعد المجتمع قادراً على اجتراح الخطوات الإصلاحية الضرورية له لتجاوز منعطفاته، وفقد وسيلته الدفاعية تجاه ما يهدده من (عطب أو خراب) سياسياً واقتصادياً وقبل ذلك اجتماعياً.
 
كل ذلك أدى، بالإضافة إلى ضرب المنظومة الثقافية والمعرفية، إلى تدمير الجهاز المفهومي لدى فئات المجتمع المختلفة عن القائد والنموذج والقدوة والبطل، وهو ما يتطلب العمل على آلية لإفراز النخب المحلية وتطويرها لتصبح نخباً وطنية يتم إفرازها من الأطراف وتصديرها للمركز.
 
الحديث حول الحرب الفكرية لمواجهة التطرف تطول، ولكن علينا أن نضع خطة حقيقية لنبدأ معركتنا بإرادة الانتصار.