Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Aug-2018

ما بعد إدلب وتفاقم الخطر الإرهابوي - حسن أبو هنية

 الراي - لا جدال أن عودة مدينة إدلب إلى سيطرة النظام السوري باتت مسألة وقت سواء عبر مسارات التسوية والمصالحة أو من خلال التصعيد والمواجهة، ويبدو أن سلوك روسيا يقوم على الدمج بين خيارات التسوية والتصعيد كما حدث في كافة مناطق"خفض التصعيد"، حيث تقوم قوات النظام بالتصعيد ويبدأ الروس بالتسويات، وتعتمد استراتيجية النظام السوري المسندة من روسيا في سلوكها الميداني على آليات العزل والقضم والإخضاع بعد التخلص من مقتضيات خفض التصعيد على ذريعة وجود منظمات إرهابية لا تنطبق عليها دينامية خفض التصعيد التي أقرت في محادثات "أستانا"،ومقرراتها التي تلزم قوى المعارضة الالتزام بالمشاركة في حرب الإرهاب.

المقاربة الروسية لإدلب لا تختلف عن المناطق الأخرى بالمزج بين التسوية والتصعيد، حيث تقوم روسيا بدور الميزان كوسيط بين الأطراف، وتعبر تصريحات رئيس الوفد لاجتماع"أستانا 10"ألكسندر لافرينتييف في 31 تموز الماضي بوضوح عن طبيعة المقاربة الروسية فقد نفى وجود هجوم عسكري واسع النطاق ضد المسلحين في محافظة إدلب السورية في الوقت الحاضر، وذلك بانتظار انجاز تسوية مع تركيا في إطار مهلة للتعامل مع إدلب إلى تشرين أول المقبل، بالتزامن مع تهديدات النظام بالتصعيد، لكن لافرينتييف عاد ليؤكد في نفس الوقت على إصرار موسكو على ضرورة قطع دابر المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة، وفي مقدمتها"جبهة النصرة"، وتابع: "لذا فقد دعونا المعارضة المعتدلة إلى تنسيق أكبر مع الشركاء الأتراك من أجل حل هذه المشكلة،"، وصرح لافرينتييف بأن روسيا مستعدة لدعم جهود المعارضة السورية المعتدلة في دحر الإرهابيين في المنطقة إذا احتاجت لذلك، مشيرا إلى الوفد الروسي عرض بشكل صريح دعمها لممثلي المعارضة في سوتشي، وأشار لافرينتييف إلى أن المشاركين في الاجتماع توصلوا لفهم مشترك لكيفية محاربة الإرهاب في سوريا، قائلا إن الإرهاب لا بد من مكافحته حتى هزيمته التامة وفي أسرع وقت ممكن، ورغم تصريحات لافرينييف بعدم وجود حملة شاملة في إدلب فإن وزارة الدفاع الروسية عادت وأشارت إلى ضرورة تطهير هذه المنطقة من"الإرهابيين"،وهي ذات الذريعة التي استخدمت في مناطق "خفض التصعيد"، إذ أشارت وزارة الدفاع بأن"الإرهابيين"، بدأوا يشنون هجمات على"القوات الشرعية" شمال سوريا.
استخدمت روسيا ذريعة وجود منظمات"إرهابية"في مناطق"خفض تصعيد" للتصعيد فالتسوية كما هو حال درعا والغوطة الشرقية، وهي لن تجد صعوبة في تطبيق ذات السيناريو في إدلب، فلاجدال حول وجود منظمات تعتبر "إرهابية"في إدلب، بل ثمة توافق بين معظم المتجادلين على أن إدلب في قبضة"الإرهابيين".فهي تعتبر ملاذا لتنظيمات مصنفة كحركات إرهابية، تصنف كسلالات تتبع تنظيم"القاعدة"، وعنوانها الأبرز"جبهة النصرة"التي تحولت إلى"جبهة فتح الشام"ثم إلى"هيئة تحرير الشام"، وقد درجتها الولايات المتحدة الأميركية على قائمة المنظمات الإرهابية وكذلك تنظيم"حراس الدين"الأقرب للقاعدة، والذي اندمج في"حلف نصرة الإسلام"، فضلا عن جماعة أنصار الدين والحزب الإسلامي التركستاني المكون من أقلية الإيغورالصينية، الأمر الذي جعل الصين تفكر في المشاركة في معركة إدلب، فرغم أن السفارة الصينية بدمشق أشارت إلى عدم دقة ترجمة تصريحات السفير الصيني بدمشق بأن"جيش بلاده مستعد للمشاركة في معركة إدلب أو أي مكان آخر في سوريا لمكافحة الإرهابيين وبخاصة الإيغور القادمين من الصين، إلا أنها أوضحت أن الصين تتمسك بالحل السلمي والسياسي، غير أن ذلك لا ينفي وجود مصلحة للصين في محاربة مقاتلين صينيين من أقلية الإيغور المسلمة، المنضوين ضمن"حزب تركستان الإسلامي"الذي يقدر عدد أعضائه بنحو 2500 شخص في إدلب.
مسألة التصعيد في إدلب باتت قريبة، ولذلك عمدت تركيا إلى جمع الفصائل المصنفة كمنظمات في معتدلة في مكون جديد باسم جبهة التحرير الوطني ليكون نواة لجيش للمعارضة، لكن الأتراك لم يوضحوا تماما لقادة الفصائل المتحدة الأفكار الموجودة في ذهن أنقرة، بحسب إبراهيم حميدي، فالأفكار التركية تتضمن أيضاً إعطاء مهلة لـ"هيئة تحرير الشام" كي تحل نفسها بحيث ينضم السوريون من التحالف ضمن الكتلة الجديدة و"إيجاد آلية" للأجانب من المقاتلين لـ"الخروج من سوريا بعد توفير ضمانات" ويشمل "العزل" أو"التحييد"أو"الإبعاد"المقاتلين الأجانب الموجودين في "حراس الدين"و"الجيش التركستاني الإسلامي"، وقد واصل الجيش التركي تحصين نقاط المراقبة التي يصل أحداها إلى حدود محافظة حماة جنوب إدلب، في وقت حصلت أنقرة على مهلة من موسكو في اجتماع سوتشي الأخير للبحث عن"تسوية"للشمال بالتزامن مع انعقاد القمة الروسية - الألمانية - الفرنسية - التركية في 7 سبتمبر المقبل.
إذا كانت مسألة فقدان التنظيمات المصنفة كحركات إرهابية لمناطق سيطرتها توشك على النهاية، فإن المؤكد أن عملية إعادة الهيكلة التنظيمية لسلالات"القاعدة"و"داعش"في العراق وسوريا، باتت الخيار المفضل في المستقبل، وهو نهج يقوم على اعتماد سيناريو المنظمات اللامركزية وتكتيكات حرب العصابات، حيث يحتفظ التنظيم بمركزية القرارات الإيديولوجية والتنظيمية الحيوية الكبرى، وتفعيل حالة اللامركزية في تنفيذ القرارات الإدارية والعسكرية، الأمر الذي يضفي المزيد من المرونة اللازمة للتكيّف مع التغيرات والمستجدات، ويعطي الفروع الإقليمية والعالمية، فضلا عن المجاميع والخلايا المحلية استقلالية كافية تتناسب مع طبيعة التحولات الميدانية وفقدان السيطرة المكانية الحضرية، وقد بدأ تنظيم"داعش"منذ 24 يوليو/ تموز الماضي بالتخلي عن التعامل مع العراق وسوريا كوحدة تنظيمية واحدة، وباتت معرّفات تنظيم الدولة الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم عبارة"ولاية الشام" عند نقل الأخبار من المدن والمناطق السورية،وعبارة "ولاية العراق" عند نقل الأخبار من المدن والمناطق العراقية، بعد أن كانت تقسم مناطق سيطرته في سوريا والعراق إلى ولايات متعددة.
لقد كان واضحا منذ الإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش" والقضاء على مشروعه السياسي كـ"دولة خلافة"نهاية 2017 ،كما سيظهر مع نهاية مشروع إمارة القاعدة وأخواتها في إدلب، أن ذلك لا يعني نهاية هذه التنظيمات، وإنما نهاية حقبة السيطرة المكانية ونظام الحكامة، والأمر الذي يؤدي إلى تركيز التنظيمات الإرهابوية على إعادة بناء وهيكلة "المنظمة"وضمان الاستمرارية من خلال القدرة والفعالية على تنفيذ هجمات مركبة في مناطق عديدة في العراق وسورية فضلا عن الهجمات الخارجية، إذ تعمل هذه التنظيمات إلى العودة للعمل كمنظمة لامركزية وتتمتع بالقدرة والفعالية على تنفيذ هجمات مركبة في مناطق عديدة في العراق وسورية، والقدرة على تنفيذهجمات  انتقامية في بلدان أوروبية وعربية وإسلامية مختلفة، وتشكل شبكاته ومجاميعه المنسقة وخلاياه الفردية النائمة و"ذئابه المنفردة"خطرا مرجحا في المستقبل، وقد صرح منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز في 28 فبراير الماضي بإن "تنظيم داعش يتأقلم مع انتصاراتنا"، وأضاف: "أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم داعش يصبح لامركزيًا على نحو متزايد".
إنن تحول التنظيمات الإرهابوية إلى حالة اللامركزية سوف تجعلها أكثر خطورة بعد استكمال عملية إعادة الهيكلة مع نهاية العام الحالي، وقد تتصاعد تكتيكات الهجمات الانتقامية وقد أعلنت الولايات المتحدة خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في واشنطن لبحث سبل مكافحة الإرهاب فبراير الماضي، أن تنظيم "داعش" يتطوّر ويتكيّف مع الهزائم التي مني بها في كل من العراق وسوريا، محذرة من أن تحوّل التنظيم المتشدد إلى اللامركزية يجعله أكثر انتشارًا وخطورة، وقال ناثان سيلز: "نحن نلفت نظر المجتمع الدولي إلى أن سقوط ما يسمى دولة الخلافة في العراق وسوريا لا يعني أن تنظيم داعش لم تعد لديه سلطة، بل على العكس من ذلك"، وأكد على إنه "مع تحقيقنا الانتصار تلو الآخر على تنظيم داعش في ميدان المعركة، فإن التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا"، وأضاف: "المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة،" وتابع: "أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم الدولة الإسلامية يصبح لامركزيًا على نحو متزايد ... إنه آخذ في التطور والتكيف".
خلاصة القول أن إعادة السيطرة على إدلب من قبل قوات النظام السوري سوف تضاعف من خطر الهجمات الانتقامية، فالتحول من المركزية إلى حالة اللامركزية تؤشر إلى عودة تكتيكات حرب العصابات، الأمر الذي يتطلب مقاربات مختلفة عن نهج المواجهة العسكرية الشاملة، من خلال إعادة النظر عبر استراتيجية متكاملة في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف ترتكز المزاوجة بين المقاربة الإيديولوجية والعسكرية والأمنية في مواجهة التحديات المستقبلية المتوقعة.
hasanabuhanya@hotmail.com