ظاهرة.. أبطالها من كل الأعمار.. - د. عبير الرحباني
الراي - التسول هذه الظاهرة القديمة والمستمرة ليست بالغريبة اذ لم تعد تنبع فقط للعوز والحاجة بل تجاوزت هذه الحدود لتصبح شكلاً من اشكال التجارة، لا بل باتت تأخذ ابعاداً واهدافاً كبيرة. فبعد ان كانت عادة تجاوزت الامر لتنتقل من العوز والحاجة لتصبح للطمع والزيادة.
وهذه الظاهرة ليست مقصورة على المجتمع الاردني فحسب، بل انها قائمة في المجتمعات كافة لكنها تختلف من مجتمع لاخر كما تختلف اسبابها، بخاصة انتشارها بين الشرائح الاجتماعية غير المتعلمة لان المتسولين لا يدركون مفهوم القيم الاجتماعية، اضافة الى ضعف الوازع الديني والاخلاقي الذي يجعل
تصرفاتهم غير متوازنة. وقد تعددت اشكال التسول في الاردن بشكل كبير لا سيما في شهر رمضان والاعياد والمناسبات.
فعلى الرغم من ان ظاهرة التسول تعتبر مشكلة فردية الا انها تسيء لكل القيم الحضارية وتشوه وجه البلد، خاصة الوجه السياحي منه بحيث تسيء للمجتمع بمنظرها القبيح المزروع على الاشارات المرورية وامام دور العبادة وفي اماكن الافراح والاتراح والساحات العامة والاسواق وحتى في المقابر يتجولون ويتوسلون، ومع ذلك فان الناس لا يتوانون عن اعطاء ما يمكن، ربما لاشباع الغرائز عند المُعطي اذ انه يعتقد ان وضع القليل سيدفع عنه الكثير.
ولا شك ان المجتمع مليء بالأسر المحتاجة والفقيرة والتي اغلبها تلتزم الصمت ولا تطلب عونا ولا مساعدة الا من االله وهنا يختلط الحابل بالنابل.. حيث نجد انفسنا حائرين بين مد يد العون والمساعدة لافراد تلك الاسر او تقديم النصح والارشاد لمن يدعون الحاجة.
ولا بد الان من تحجيم تلك الظاهرة التي تتغلغل في كل الاماكن وتتفشى كالامراض المعدية بحيث تقع مسؤوليتها على وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات الدينية والجهات الامنية اضافة الى دور وسائل الاعلام في تكثيف برامجها التوعوعية والتحذيرية للتصدي لهذه الظاهرة، اضافة الى ضرورة تواصل وتعاو270ن هذه المؤسسات فيما بينها ووضع برامج وخطط للتصدي بكل حزم. فالتوعية وحدها لا تكفي بل يجب ان تكون هناك القدوة الحسنة من افراد المجتمع والاستعداد لمواجهة كل ما يعكر ويشوه وجه الاردن الحضاري وان لا يصدقوا او ينخدعوا باشكال التسول التي قد تستعطف قلوبهم في معظم الاحيان لان المرأة التي تمشي على قدميها وتمد يدها للغير وتتمتع بجميع حواسها الخمس قادرة على ان تعمل وتتعلم اي مهنة شريفة لكنهن لا يريدن العمل بل الحصول على الاموال من دون تعب وعناء.
ولا بد للاشارة هنا الى ازدياد ظاهرة استخدام الاطفال في اشكال التسول المختلفة وبالتالي فهم ضحايا هذه الظاهرة التي تحرمهم حقهم في التعليم وحقهم في العيش الكريم وحقهم في الكرامة، وبالتالي فان انخراطهم في التسول يؤدي بهم لازدياد جهلهم وبالتالي دفعهم للانحراف الاخلاقي الامر الذي يؤدي في المستقبل لخلق فئة لا باس بها من المجرمين والنصابين والمحتالين في مجتمعنا.
والمجتمع قادر على ان يقلص من حجم هذه الظاهرة بعدم مساعدة هؤلاء المتسولين وبامكان الجهات المسؤولة المعنية بهذا الامر تقديم النصح والارشاد خاصة للاحداث والمراهقين المتسولين حتى لا تؤدي نتائج هذه الظاهرة الى الانحراف والتفسخ الاخلاقي والاجتماعي والتفكك الاسري ومضاعفة البطالة وتشويه الوجه الحضاري والسياحي للوطن.