Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Oct-2019

الاستراتيجية الروسية تعيد ترتيب الأوراق بسورية*ماجد توبة

 الغد-بعد أكثر من أسبوع على بدء الحملة العسكرية التركية في شمال شرق سورية، لا تبدو الرياح مواتية لتحقيق أهداف تركيا الاستراتيجية من عمليتها، التي اعتقدت للحظة ان العائق الرئيسي أمام تحقيقها ازيل بموافقة الرئيس الأميركي على سحب قواته من المنطقة، لتتشكل اليوم ملامح جديدة لم تكن بحسبان أردوغان على الأرض تصب بوضوح بصالح اللاعب الروسي، ومن خلفه الحكومة السورية بدمشق.

الانسحاب الأميركي والتخلي عن الحليف الكردي ومن ثم الاعتداء التركي، أعاد خلط أوراق كثيرة بالصراع في سورية وعليها، وفتح الباب واسعا لتغيرات استراتيجية على الأرض، يتحكم بخيوطها الروس، وهم اللاعب الأساسي في سورية لا يمكن للأتراك ولا لغيرهم تجاوز دورهم الرئيسي، وباتوا يدفعون بتطوراتها بالاتجاه الذي يسعون له، وهو بكل وضوح تمكين الحليف السوري الرسمي من استعادة السيطرة على كل الأرض السورية.
التطور الاستراتيجي الأبرز للعدوان التركي كان توقيع الحكومة السورية اتفاقا مهما مع قوات سورية الديمقراطية الكردية وبرعاية روسية كاملة، بدأ بموجبه الجيش السوري بدخول مناطق سيطرة المقاتلين الاكراد، والتي كان انسحب منها العام 2012 بعد اشتداد الأزمة السورية وتدفق المال والسلاح والرجال على فصائل المعارضة السورية المسلحة وتهديد دمشق ذاتها.
الجيش السوري وبدعم روسي دخل وانتشر حتى الآن بمدينة منبج شمال محافظة حلب، وبات متواجدا بشكل رئيسي أيضا ببلدتي عين عيسي (الرقة) وتل تمر (الحسكة) وبمناطق حدودية أخرى. فيما نص الاتفاق مع الاكراد على دخول الجيش السوري الى منبج وعين العرب (كوباني)، وهما مدينتان لطالما ابدت تركيا عزمها احتلالهما.
ولا يمكن أن تخطئ العين التركية الدعم الروسي الحاسم للجيش السوري للسيطرة على منبج وعين العرب، لكن ذلك بلا شك فاجأها بعد أن كان أردوغان توقع الاثنين أن لا تضع روسيا عراقيل بوجه جيشه لاحتلال منبج وعين العرب، ليدخل الجيش السوري ليلا لمنبج، وليخرج الموفد الروسي الخاص لسورية ألكسندر لافرنتييف الثلاثاء بإعلان حازم يؤكد “أن روسيا لن تسمح بمواجهات بين الجيشين التركي والسوري عند خط التماس بينهما بالمناطق الحدودية”.
بحسابات الربح والخسارة يمكن اليوم تلمس هذه المعادلة بوضوح بعد تثبيت بعض الحقائق على الأرض، وتحديد كم خسر أو ربح كل طرف حتى الآن ويمكن توقع المآلات التي تتجه اليها تطورات العدوان التركي.
فبالنسبة لتركيا فإنها خسرت وتخسر قياسا للهدفين الاستراتيجيين المعلنين لعمليتها العسكرية، لكنها لم تخسر كل شيء وقد تحقق بعض المكاسب، فهي أعلنت انها تستهدف ضرب قدرات ومؤسسات قوات سورية الديمقراطية، وايضا اقامة منطقة عازلة قرب حدودها لتنقل إليها قسماً كبيراً من 3.6 مليون لاجئ سوري لديها. هي هنا حققت نجاحا بضرب قوات سورية الديمقراطية وافقدتها سلطتها على الشمال السوري، لكن ذلك لن يصب لصالح اقامة المنطقة العازلة بل لصالح عودة سيادة الحكومة السورية على المناطق الحدودية، فيما لا يبدو هدف الاعادة القسرية لمئات آلاف اللاجئين من تركيا قابلا للتحقيق مع هذه التطورات.
الطرف الثاني بالمعادلة هو الحكومة السورية، وبالتداخل مع تحالفها مع روسيا، والتي بات واضحا خروجها رابحة من هذا العدوان وإعادة خلط الأوراق، واضطرار الأكراد للعودة لحضن الدولة السورية، واستعادتها السيطرة والسيادة على المنطقة الواسعة التي فقدتها رغما عنها العام 2012. ولم يعد مستبعدا ان تعود تركيا لاتفاق اضنة 1998 مع سورية ضمن التسويات المتوقعة عندما تصمت المدافع.
الرابح الأهم هو روسيا واستراتيجيتها في سورية ومنطقة الشرق الأوسط، فهي كما تحرص على التحالف مع الأضداد من تركيا وسورية وغيرهما فهي لا تضيع هدفها الاستراتيجي الواضح باستعادة الدولة السورية لسيطرتها على كامل ترابها، ورسم حدود اللعبة لتركيا من وجهة نظر روسيا، إضافة إلى ملء الفراغ الأميركي بالشمال الشرقي لسورية، وإعادة الأكراد السوريين الذين كانت أميركا حليفهم الموثوق الوحيد إلى حبال المايسترو الروسي بعد أن وفرت اندفاعة اردوغان الهوجاء للحرب هذه الفرصة