Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2018

جبل النظيف.. النصف الثالث من الكأس! - المهندس عادل بصبوص
 
 
الغد- نشر الكاتب جهاد المنسي مقالا في "الغد" بعنوان "جبل النظيف" يتحدث فيه عن التهميش الذي تعاني منه المنطقة منذ أكثر من ثلاثين عاماً وعن تهالك البنية التحتية فيه، وعن ضرورة تأمين مساحات "فراغية هندسية" تعمل على إدخال ضوء النهار لأزقته وشوارعه الضيقة، وأجد لزاما عليّ في هذا المقام أن أوجه الشكر للأستاذ المنسي مرتين، الأولى لأنه أثار لدي شجونا وذكريات عزيزة ترجع إلى ما قبل خمسة عشَر عاماً عندما تم تنفيذ مشروع كبير لتطوير تلك المنطقة، أما الثانية فلأنه وفرّ الفرصة للحديث عن الجهد الكبير الذي بذلته الحكومة... نعم الحكومة... لتحسين الظروف المعيشية للسكان فيه.
لقد حظيت بالانضمام إلى وزارة التخطيط والتعاون الدولي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، "منسقاً لبرنامج تطوير البنية التحتية في المناطق الفقيرة" وهو برنامج ضخم تم إطلاقه في ذلك الوقت لتطوير البنية التحتية في مخيمات اللاجئين ومناطق السكن العشوائي التي يقع معظمها في مدينة عمان والتي من ضمنها موقع "جبل النظيف"، وقد سعى البرنامج إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان من خلال تعبيد الشوارع والممرات القائمة واستبدال شبكات المياه المهترئة وخطوط الكهرباء الملاصقة للبنايات السكنية وتنفيذ شبكات لتصريف مياه الأمطار وصيانة شبكات الصرف الصحي، وقد تعاقدت الوزارة في حينه مع المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري لتنفيذ هذا البرنامج والذي بلغت الكلفة الإجمالية له حوالي (45) مليون دينار تم توفيرها من منح وقروض ميسرة ومساهمات مباشرة من الخزينة، حيث تم استكمال تنفيذ البرنامج بنجاح أواخر العام 2003.
لقد اشترطت الجهات الممولة والتي شاركت في تصميم البرنامج أن لا تتضمن المشاريع والأنشطة الرئيسية تنفيذ أي عملية هدم للمساكن أو ترحيل لأي من ساكني المواقع التي سيتم تطويرها، تفاديا للأضرار الاجتماعية الفادحة التي من الممكن أن تنتج عن تشريد أسر لن تكفي التعويضات التي ستصرف لهم لتأمين مساكن بديلة، وقد حرصت الوزارة ومؤسسة الإسكان على الالتزام بذلك قدر الإمكان، حيث تم تنفيذ غالبية المشاريع دون عمليات هدم وترحيل جوهرية، أما فيما يتعلق بجبل النظيف فقد كان الوضع مختلفا تماماً حيث لا شوارع داخلية والأزقة ضيقة جدا ويتعذر الوصول تماما بالسيارات إلى قلب الموقع، فلا سيارة إسعاف ولا سيارة إطفاء حريق ولا أي مركبة أخرى يمكنها اختراق الموقع في حالات الطوارئ، وقد تبين أن استبدال شبكات الخدمات المهترئة من مياه وصرف صحي وكهرباء لن يحدث فرقا كبيرا في حياة السكان، لذا تم الطلب من مؤسسة الإسكان دراسة إمكانية شق شوارع داخلية في المنطقة، برغم مخالفة ذلك لمبادئ وأسس البرنامج الأساسية، وقد قدمت المؤسسة عددا من البدائل كان أفضلها شق شارعين في المنطقة أحدهما يصل إلى قلب الموقع تماما، وقد بينت المؤسسة أن ذلك سوف يرفع كلفة تنفيذ المشروع من حوالي (350) ألف دينار إلى حوالي (1.2) مليون دينار، ويتطلب إجراء حالات هدم لمنازل كليا أو جزئيا سوف تطال أكثر من مائة أسرة في الموقع، مما يستلزم تعويض هذه الأسر وترحيل عدد منها خارج الموقع، حيث بلغت التقديرات الأولية لإجمالي التعويضات حوالي (1.0) مليون دينار، وبالنظر إلى الأهمية الفائقة والأثر الكبير لفتح شوارع داخل المشروع، فقد كان علي – وأنا المسؤول المباشر عن البرنامج – خوض مواجهات صعبة في أروقة الوزارة للحصول على الموافقة على مبدأ الهدم والترحيل أولا، ولتأمين التمويل الإضافي المطلوب ثانياً، حيث حصلت الموافقة على ذلك بعد جهد، وتم الإيعاز للمؤسسة بإجراء الدراسات التفصيلية اللازمة وخاصة ما يتعلق بموضوع المباني التي سوف تهدم جزئيا أو كليا والأسر التي سوف تتضرر من المشروع، حيث تم التوجه لوضع أسس تعويض مجزية للأسر المتضررة، تكفي لتوفير سكن لائق خارج الموقع للأسر التي سوف يتم هدم مساكنها، حيث بلغت قيم التعويض عدة أضعاف للقيمة السوقية لتلك المساكن – ومعظمها مساكن قديمة متهالكة-، الأمر الذي ضَمِنَ ليس فقط موافقة الأسر المتضررة على ذلك وإنما رغبة وسعي أسر أخرى لشمولها بموضوع الهدم.
قدمت مؤسسة الإسكان الدراسات التفصيلية للمشروع وكانت المفاجأة لا بل الصدمة أن القيم الفعلية للتعويضات قد بلغت (2.3) مليون دينار، مما يتطلب تمويلا إضافيا من الخزينة يبلغ (1.3) مليون دينار، حيث كاد ذلك أن يطيح بالمشروع برمته، ولولا أهمية المشروع الحيوية والجهود التي بذلتها الجهات المسؤولة لما نفذ المشروع.
لقد تم تنفيذ المشروع بنجاح في نهاية المطاف بما في ذلك عمليات الهدم والإخلاء دون حصول أي مشكلة أو اعتراض من أي نوع، وهذه حالة نادرة وقصة نجاح في مثل هذه المشاريع، وأصبح هناك شارعان يتخللان الموقع بعد أن كان تجمعاً مغلقا وازدادت بشكل جوهري الفراغات التي تتخلل الموقع، وتم ترحيل عشرات من الأسر حصلت من خلال التعويض المجزي على مساكن أفضل في مناطق أخرى من العاصمة، ليس هذا فحسب فقد تم استبدال شبكات المياه والكهرباء وتصريف مياه الأمطار بأخرى حديثة وتم تسليم الموقع إلى أمانة عمان الكبرى لتقوم بتوفير الخدمات البلدية المعتادة، مثله في ذلك مثل كافة مناطق العاصمة.
لم يكتف البرنامج بتطوير خدمات البنية التحتية فقط في الموقع، فقد عهدت الوزارة إلى مؤسسة نهر الأردن لشراء مبنى في الموقع وتحويله إلى مركز تنموي شامل يقدم خدمات التدريب وبناء القدرات والمساعدة لأهل المنطقة وخاصة النساء منهم، لتنفيذ أنشطة توعوية ومشاريع إنتاجية مدرة للدخل تساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان في الموقع بكلفة بلغت في حينه حوالي (250) ألف دينار وهو ما يعرف حالياً "بمركز الكرمة"، وبالتالي بلغت كلفة المشاريع التي نفذتها الوزارة في الموقع في ذلك الحين قرابة أربعة ملايين دينار.
لا نقلل من أهمية شكاوى ساكني المنطقة حول تراجع مستوى الخدمات في الموقع وهذا حال الكثير من مناطق العاصمة وهذه مسؤولية أمانة عمان الكبرى، بيد أن هناك عضوا منتخبا من المنطقة في مجلس أمانة عمان كما أن هناك عضوا منتخبا أيضا من المنطقة في مجلس محافظة العاصمة، والمطالبة بتحسين مستوى الخدمات في المنطقة من أبسط وأهم واجباتهما، أما المطالبة بمزيد من الفراغات والمساحات الخالية من البناء في المنطقة، فهذا هدف صعب جدا لا يتحقق إلا بترحيل أسر وهدم وإزالة مساكن إضافية وهذا يتطلب كلفاً باهظة ماديا واجتماعيا وربما سياسيا أيضا.