Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Jun-2020

المرأة والكتابة… وتحامل النقد

 القدس العربي-أحمد بوغربي

لن أخوض في الجدل الدائر حول ما تستثيره كتابة المرأة من قضايا اختلفت حولها آراء النقاد والدارسين، ومنها: مفهوم «الكتابة النسائية» ومدى مشروعية المصطلح، خاصة أنه يشكل نظرة تصنيفية على أساس جنسي، وهو ما لا ينسجم مع طبيعة الأدب نفسه، أو إشكال الخصوصية، التي وإن اعتبرت من المسلمات كون «لا إبداع خارج الذات وبها، وهي ( الذات)، محصلة الخصوصية وحاملتها «.
إلا أنه لا بد من التأكيد على أن الحديث عن خصوصية إبداع المرأة الكاتبة، لن يكون منتجا نقديا ما لم يؤسس على أحكام تستمد من النصوص ذاتها.
القضية التي سأقف عندها خلال هذه الورقة هي: موقف النقد السائد مما تكتبه المرأة، وهي قضية لها أهميتها القصوى، لما لها من تأثير بالغ على مسيرة النساء الكاتبات، وأول ما يمكن تسجيله بهذا الخصوص هو: قلة النقد، وتحامل النقاد. فباستثناء بعض النقاد الذين تناولوا كتابة المرأة بالجدية المطلوبة، نجد آخرين، ممن لهم مكانتهم الاعتبارية في الساحة الثقافية العربية، أساءوا إلى إبداع المرأة حين انطلقوا من منظور يقوم على ضرورة توافق ما تكتبه المرأة المبدعة، مع صورها الحسية والذهنية، واحتكموا إلى الانطباع، أكثر منه إلى الاستقراء العميق للنص الأدبي، في مختلف أبعاده الفكرية والجمالية، بل إنهم مارسوا نوعا من القراءة الأخلاقية لهذا الإبداع، فجاءت محملة بالكثير من أحكام القيمة، تستهدف شخص المرأة، كذات تحيا نمطا من العيش في الواقع المادي، وفي ما يلي بعض نماذج من هذه القراءات التي تسيء للإبداع عامة وإبداع المرأة بشكل خاص.
 
عبد الله إبراهيم ورواية «ذاكرة الجسد»: القراءة المغرضة
في مقالته «الرواية النسائية العربية ـ تجليات الجسد والأنوثة» لا يشذ الناقد عبد الله إبراهيم عن هذه القاعدة، وهو يتناول فيه رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي. وقد جاء المقال غنيا بكثير من أحكام القيمة التي لا تمت للرواية بصلة، وأولها قوله بأن السارد «خالد» يستعين بالإنشاء الشعري الذي يقف عند حدود التغني بالآخر، بدون الاندراج معه في علاقة متكافئة»، إن الوقوف مليا عند كلمة «الإنشاء الشعري» كاف ليصور لنا مدى التحامل والإصرار عليه، فهو يرمي إلى أن الرواية مجرد مونولوج لا ينفع إلا للتغني بالذات أو بالآخر وترديد أصداء وجدانية، وكأن الناقد بهذا أحد هؤلاء الذين قصدهم «خالد» بقوله: «سيقول نقاد يمارسون النقد تعويضا عن ممارسات أخرى، إن هذا الكتاب ليس رواية، إنما هذيان رجل». وبالرجوع إلى الرواية يتأكد أن حضور «حياة» تميز بالنسبة للراوي «خالد» برمزية متعددة، فهي المرأة الحبيبة: «كنا نفهم بعضنا بصمت متواطئ. كان حضورك يوقظ رجولتي، كان عطرك يستفزني ويستدرجني إلى الجنون، وعيناك كانت تجرداني من سلاحي حتى عندما تمطران حزنا». وهي المرأة الأم «وكنت تعرضين عليّ أمومتك أنت الفتاة التي كان يمكن أن تكون ابنتي، والتي أصبحت بدون أن تدري أمي»، وهي أيضا الوطن: «أنت أكثر من امرأة، أنت وطن بأكمله». فـ «حياة» كما يظهر من خلال هذه الأمثلة، تحضر في الرواية موضوعا ورمزا: موضوعا للحب والعاطفة، ورمزا للأرض والوطن، وتعتبر حالة انفصال «خالد» عن «حياة» (الموضوع والرمز)، الموضوع الأساس في رواية «ذاكرة الجسد»، وأن عدم اندراج «خالد» مع هذا الآخر في علاقة متكافئة هو ما جاءت الرواية تحمل رسالته، كاشفة عن الأسباب ما خفي منها وما بطن، والتي كانت وراء خيبات خالد، ومن خلاله خيبات وطنه الجزائر.
 
في مقالته «الرواية النسائية العربية ـ تجليات الجسد والأنوثة» لا يشذ الناقد عبد الله إبراهيم عن هذه القاعدة، وهو يتناول فيه رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي.
 
الرواية كما طالعنا، أشمل بكثير مما أراد لها الناقد عبد الله إبراهيم، فخالد وهو يكتب خطابه لـ«حياة‘‘ كان يفعل ذلك من داخل هاجس وطني اتخذت معه «حياة» رمزا للوطن، وليست مجرد موضوع حب مفتقد لخالد. وبسبب البداية الخاطئة كانت كل الأحكام التي انبنى عليها المقال لاحقا جانبت حقيقة خطاب الرواية، وجاءت غريبة عنها، إلى درجة تدفع إلى اليقين بأن قراءة الناقد للرواية لم تكن جدية ومسؤولة. وهكذا نجده يقول عن «خالد» بأن ما يورده في خطابه لحياة: «يدور حول علاقتهما معا، وما يقوم به هو إعادة رواية تلك الوقائع التي عاشاها، فكأنه يريد بقوله هذا أنه لم يكن من داع لخالد لكتابة خطابه، وما كان ليفعل لو التفت إلى قول خالد: «تعودت أن أجمع حصيلة ما قلته لي وأضع منها حوارا لرسوم متتالية على ورق أضع عليها أنا التعليقات المناسبة لحوار آخر وكلام لم نقله». إن هذا الكلام الذي لم يجد خالد متسعا من الوقت لقوله، وهذه التعليقات، وهذا الحوار، والكلام الذي لم يقل هو موضوع الرواية، بل بؤر توترها، «التاريخ هكذا دائما ياعزيزتي وهكذا الماضي، ندعوه في المناسبات ليتكفل بفتات الموائد… كنت في النهاية كالوطن كان كل شيء يؤدي إليك».
واعتبر الناقد ذراع خالد المبتور سببا في انفصاله عن حياة لشعوره بالنقص والإعاقة حين يقول: «بتر الذراع يشكل لديه فيما يخص علاقته النسائية فقدانا لجزء يحتاج إليه… يمثل العطب الجسدي الذي لحق بخالد وهو بتر الذراع هاجسا يقلقه». وكأن الناقد بهذا أفرغ خالد من كل قضية، وجعل منه كائنا تسوقه غرائزه، ولأنه كذلك تأثر ببتر الذراع، وأحس بالنقص والإعاقة وجعله يفشل في علاقته مع النساء، في حين ان بتر الذراع شكل علامة فخر لخالد، ودليل صدق مبادئه، وشاهدا على تضحياته من أجل الوطن، الوجه الآخر لحياة، وهو يصرح بما يشبه الرد المسبق على الناقد: «أتحداهم بنقصي هذا، بالذراع التي لم تعد ذراعي، بالذاكرة التي سرقوها مني، بكل ما أخذوه منا، أتحداهم أن يحبوها مثلي، لأني وحدي أحبها دون مقابل». إن كلمة خالد أحبها دون مقابل، وهو يعني وطنه يجعل من قول الناقد مجرد تحامل صريح، وتجن مقصود في حق الرواية. واتهم الناقد «خالد» بالازدواجية والتناقض، كأنه لم يقرأ قول خالد، كنت كهذا الوطن يحمل مع كل شيء ضده.
لهذا وذاك، كان تنبؤ خالد في محله عندما دعا «حياة» ومن خلالها القراءة المفترضة أن تقرأ خطابه كما تقرأ «منشورا سياسيا»، وهي دعوة صريحة لعدم الركون إلى السطح حتى لا تسقط في الإشاعة، كما حصل لقراءة الناقد عبد الله إبراهيم، حين اعتبر الرواية مجرد خطاب من خالد إلى حياة، وهو الأمر الذي توقعه خالد ونبه إليه حين قال: «أدري ستقول إشاعة أن هذا الكتاب لك».
 
«الحرية في أدب المرأة» لفرج عفيف: الإسقاط الأدبي
 
يعتبر كتابه «الحرية في أدب المرأة» نموذجا للدراسات التي تقزم إبداع المرأة. لا نجد قطعا، ما يمت بصلة إلى عنوان الكتاب، فهو يستعرض الأحداث التي مرّت بها البطلة، وفي الأخير يقف وقفة المتشفي لمصيرها مثل قوله: «وهكذا تنتهي رواية أميمة حمدان إلى عرض تجربة فتاة خضراء لم تنضجها الخبرة والثقافة، فتاة تبحث عن وجهها وحقيقتها في مرآة الرجل، فتجد نفسها تنظر إلى مرآة مشروخة، وتنتظر إلى ما لا نهاية عودة رجل يمضغها ويبصقها كاللبان». ينطلق الناقد بهذا الفهم، من أن «مفهوم الحرية» عند المرأة يجب أن يعني بالضرورة استقلال المرأة عن الرجل، أو بالأحرى العيش بدونه، فعندما تفشل علاقة البطلة بالرجل الآخر، يجد ذلك مدعاة ليؤكد فشلها في حريتها، وأن الرجل هو قدرها، يقول عن «رانية» بطلة «شجرة الدفلى»: «وتعود رانية لنمرود رهينة بعد أن تمشت لفترة كالطيف بين الشمس والظل، وهكذا تنتحر الحرية وينتصب القدر حاملا عصاه»، ويخلص في آخر الكتاب إلى تقديم نموذج المرأة الحرة، من خلال أعمال كتاب رجال أمثال، نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وغسان كنفاني، وحنا مينه والطيب صالح وغيرهم. ثم إنه يستعرض العمل انطلاقا من مسيرة البطلة فيه، ويحاكم اختياراتها، ليثبت أخيرا أن اختياره هو الأنجع، لو كانت قد عملت به، وللتدليل على ذلك، يقوم بمقارنتها مع بطلات أعمال أخرى لروائيين آخرين، وكيف إنهن أحسن الاختيار في مثل موقفها، كما لم تفعل هي، مثل ما ذهب إليه وهو يعقد مقارنة بين «ريا» بطلة رواية «شجرة الدفلى» لأيملي نصرالله بإيما «بطلة رواية «مدام بوفاري» للفرنسي كوستاف فلوبير، ويقول عن بطلة رواية أميمة حمدان «وأنتظر»: «فهي تعشق العشق مثل «ريم» بطلة كوليت، وتعطي نفسها بسخاء، وسرعة، لأول رجل يداعب بأنامله الخبيرة ذلك الطفل العاطفي النائم فيها، وهذا الوعد العاطفي الذي يفوح برائحة الكبت الجنسي». ثم يقوم بعملية نمذجة لبطلات أعمال روائية واحدة، كأنه يرمي بهذا إلى أن رواية واحدة لمبدعة تغني عن أعمالها الأخرى. والأدهى من هذا كله أنه يغرق في محاكمة أخلاقية للبطلات، ومن خلالهن للكاتبات، وهو ينسب قول البطلة مباشرة إلى الكاتبة. لاقتناعه بـ«استمرار طغيان قالب السيرة الذاتية على القصص النسائي بشكل عام، وأن ضمير المتكلم يعود بالضرورة على الكاتبة نفسها، وليس كونه مجرد ضمير فني.
 
لا يخفى ما في هذه الملاحظات، من أحكام قيمية، تستهدف شخص المرأة كذات تحيا نمطا من العيش في الواقع المادي.
 
عبد الرحمن مجيد الربيعي ورواية «نخب الحياة»: النزعة المضمرة
 
في السياق نفسه، نعرض لمقال نقدي للناقد والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي حول رواية «نخب الحياة» للكاتبة التونسية آمال مختار، وهو أقرب ما يكون إلى التجريح والتسفيه، عوض النقد البناء الذي يلتزم ببنى النص ولا يصدر إلا عليها، فجاء المقال مبنيا على الكثير من أحكام القيمة التي تستهدف شخص المرأة قبل عملها، وهو يستهل مقاله بالقول: إن رواية آمال مختار «رواية بورجوازية تتحدث عن هموم ليست أساسية لامرأة ضائعة تريد أن تثور، لكن ثورتها قاصرة، فتغادر تونس هربا من ركود عالمها اليومي وعلاقتها الروتينية برجل واحد، وتذهب إلى العاصمة الألمانية «بون» لتكون تحت رحمة رجال لا رجل واحد، فتفشل ثورتها «وتبطل» وتعود أدراجها إلى تونس»، ليتضح جليا أن مفهوم الحرية عند المرأة كما فهمه الربيعي وقبله عفيف فراج يتحدد في كونه يرمي إلى مجرد «التحرر الجنسي» الذي يكون دائما مآله الفشل. وينسى الربيعي – تماما كعفيف فراج- أن الأمر يتعلق بإبداع لينزلق في مماحكة أخلاقية مقصودة، فحين تقول «سوسن» بطلة الرواية عند رجوعها من بون إلى تونس: «بدأت أشك في وجود الحرية كاملة، شيء ما جئت به من هناك منعني من أن تكون حريتي كاملة هنا»، يرد عليها صاحب المقال في تساؤل استنكاري يحمل طابع الشخصي المقصود : «ونتساءل عن الحرية التي لم تجدها كاملة، فإن كانت حريتها الشخصية فهي كاملة وأكثر اكتمالا، إذ أصبح في مقدورها أن تقود رجالا إلى غرفتها في الفندق، وهو أمر غير مسموح به في كل البلدان العربية مثلا ـ على حد علمي». لا يخفى ما في هذه الملاحظات، من أحكام قيمية، تستهدف شخص المرأة كذات تحيا نمطا من العيش في الواقع المادي. وهي أحكام بعيدة عن أسئلة الإبداع، لاعتمادها على ما تختزنه الذهنية الذكورية العربية من تصورات، لا ترى في المرأة إلا كونها جسدا/ موضوعا للرغبة.
 
على سبيل التركيب:
 
إن هذه القراءات لا يمكن أن تكون قراءات منتجة، بسبب أنها تنطلق من خلفيات مسبقة، أو كما يسميها صبري حافظ: «نزعة مضمرة تحاول أن ترد كل كتابة المرأة إلى خبرتها الذاتية، وأن تجعلها نوعا من السير القصصية، وهي أيضا قراءات مغرضة، «تستفيد من أدوات تأويلية من خارج النص ومن خارج اللغة، وتفرض نظاما ليس نابعا منها ولا كامنا فيها، ومن ثم، فهي لا تعدو أن تكون ضربا من الإسقاط الأدبي، قصد إفراز مضامين دلالية تسيء الظن في النص المقروء، لذلك فهي لن تفيد في شيء سوى تعطيل إبداع المرأة وتفويت فرصة الاستفادة منه.
 
٭ باحث من المغرب