Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Dec-2017

«العقلاء العرب».. و«المجنون الكوري» في عيون «ترمب» - محمد خروب

 الراي - في إطار حملة إعلامية.. مسعورة ومنسَّقة جيداً, تَغرِف من معين الحرب النفسية ومفردات الغطرسة الاميركية, المحمولة على عربدة وعدوانية واستعداد لا يتوقف للغزو والاجتياح, وَصَفَت�' دوائر البيت الاميركي في عهد رئيس أفعاله غير مُتوقَّعة وسلوكه خارج على المألوف السياسي والدبلوماسي, ولا يتَّفِق أو يتوافَق مع ما تواضعت عليه اسرة الشعوب, وخصوصاً مبادئ القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان..

تمّ وصف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ – اون بـِ»المجنون» وإطلاق صفات ونعوت تحُط من قيمته وتسفهه, وبخاصة بثّ معلومات كاذبة عن حياة مجون وترف يعيشها, فيما يعاني شعبه من المجاعة وسوء التغذية وصعوبات الحياة. وغيرها من الفبركات مما لا سند موضوعياً لها. اللافت ان الإعلام «العربي»..

في غالبيته, لم يجد سوى نسخ الرواية الاميركية وبث تقاريرها حرفياً, كما مالَ مُعلِّقون عرب, ممن يتماهون مع خطاب الأنظمة السائرة في ركاب واشنطن, الى إعادة انتاج الخطاب الاميركي المزيّف, ولكن بلغة ديماغوجية برع بعض هؤلاء في «تعريب» مفرداته, ولكن رائحة التبعية لاميركا والخضوع لتوجيهاتها, تفوح من بين ثنايا الحروف والكلمات التي يكتبها هؤلاء المستعربون.

في مقاربة للمشهدين العربي والكوري الشمالي.. يمكن للمرء ان يلحظ في غير عناء, أن الإعلام العربي الذي يُكرِّر مصطلحات اليانكي الاميركي, يريد الإيحاء بأن «الجنون» الكوري الشمالي, الذي يذهب الى مغامرة «استفزاز» اميركا ودفع الاخيرة الى شن حرب مدمرة عليها, تقابِله «حكمة وبعد نظر» يتعاطى وفقها «العقلاء» من الحكام العرب, الذين «لا ولن» يسمحوا لاميركا (ما بالك اسرائيل) باستدراجهم الى حروب «عبثية».... سياسية كانت ام دبلوماسية وخصوصاً عسكرية.. «ثبت» عقمها, وبخاصة في مواجهة اسرائيل المسلَّحة حتى اسنانها, والمتوفرة على قدرة نووية وعلى دعم اميركي غير محدود, ما يستدعي – من هؤلاء العقلانيين – التصرف بطريقة «حضارية» وخصوصاً «واقِعية» لا تسمح بإدخال «الفيل» الاميركي.. الى غرفة الفُخّار والأواني الزجاجية العربية الهشة.
 
هنا والان.. تحضر المقارَنة التي يحاول «العقلاء» في معظم الانظمة العربية, صَرف الانظار عنها و اطلاق الدخان الكثيف عليها, حتى لا يرى الجمهور العربي, حقائق الامور ومفردات الخطاب المُفعَم بالكرامة, الذي يتكيء عليه الزعيم الكوري الشمالي (المجنون في نظرِهم) والتي يأتي في مقدمتها المصير الذي انتهى اليهما النظامان العراقي وخصوصا الليبي وزعيمي�'هِما, اللذين صدّقا وعود الامبرياليين الاميركيين او اطمأنوا الى اشاراتهم الخادعة وتخلّوا بهذا الشكل المهين او ذاك, عن اسباب قوتهم وعواملها حتى لو كان مُبالغاً فيها, او كانت بدائية وغير قادرة على تعديل موازين القوى العسكرية والسياسية والدبلوماسية التي كانت في غير صالحهما.
 
«العقلاء» في بلاد العرب اختاروا «السلام خيارا استراتيجيا» كما هو معروف, ليس بعد انتصارات عسكرية وليس بعد توفّرِهم على قاعدة علمية وصناعية وانتاجية ذات بعد دفاعي, او قدرة على رد العدوان والاجتياحات والإستيطان وتهويد القدس وأس�'رَلتِها, بل بعد ان ازدادوا ضعفا وتفكّكا وخسارة في التحالفات ومعادلات القوة والنفوذ السياسيين, والاخطر انهم انخرطوا في حروب داخلية واخرى تآمرية عبر دعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية, وارتفاع منسوب الفساد والقمع والديكتاتورية وانهيار البنى التحتية والخدمات, على نحو استقرّوا فيه اسفل الاحصاءات والقوائم التي تُصدِرها المنظمات الدولية, حول الشفافية ودرجة الفساد وتمكين المرأة والديمقراطية والتنمية البشرية, وغيرها من مؤشِرات التقدّم ومغادرة مربعات الفقر والفساد والقمع والحكم الابوي.
 
لم يكن مفاجئا والحال هذه.. ان يكون المستر ترمب وهو الرجل القادم من عالَم العقارات, هو و...بيته الابيض, مَن�' تشخص اليه عيون «العقلاء» العرب, توسُّلاً لحكمته (غير المعروفة عنه اصلا) وعدالته وإنصافه، فيما لا يُعيره «المجنون» مِن كوريا الشمالية, اي اهمية بل يتحَدّاه, عبر المضي قدما في توفير اسباب القوة والمَنَعَة لبلاده وشعبه, على نحو لا يجعل من مغامرة ترمب «نزهة» اذا ما...وعندما يُفكِّر بغزو ذلك البلد المحاصَر بقسوة وسادية اميركية مُفرِطة, ما اضطّر ادارة ترمب الى تخفيف لهجتها العدوانية وإبداء الاستعداد للحوار معها بل والتلميح بإمكانية عقد «لقاء قمة» بين ترمب وكيم جونغ ــ اون, على قاعدة مختلِفة جذريا في اللغة والمصطلحات والمقارَبات, عن تلك المستخدَمة اميركياً (واسرائيلياً بالطبع) مع «العقلاء العرب», ناهيك عن الموقِفَي�'ن الحازمَي�'ن لكل من روسيا والصين، ازاء مغامرة اميركية مُحتملة، رغم انهما تُبدِيان نقداً واضحاً وعلنِياً إزاء برنامَجَي بيونغ يانغ النووي والباليستي.
 
لكنهما تريَان في التصعيد الاميركي المُبرمَج, خطراً ماثِلاً على امنهما الاستراتيجي والمعادلات الجيوسياسية في تلك المنطقة، بل نالت مواقف الرئيس الكوري الشمالي دعمَاً من موسكو لخصّته إجابة الرئيس الروسي بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي قبل ايام, عندما قال: نحن نُعارِض كوريا ديمقراطية نووية, لكنه من جهة أخرى «أكّد» ان الصواريخ الكورية الشمالية قادرة على الوصول الى الولايات المتحدة, مُتّهِماً واشنطن بالتسبّب في عودة سول (كوريا الجنوبية) الى برنامجها النووي مرة اخرى, مُوجِّهاً اتهامه لواشنطن باستفزاز كوريا الشمالية ودَفعِها للخروج من الاتفاقيات.
 
.. هنا يتجلى بوضوح حجم وطبيعة «الجنون» الكوري الشمالي المزعوم, مُقارَنَة بـِ»العقلانية» العربية المُدّعاة. كما يبرُز على نحو جَلِيّ وواضِح, كيف ينظر ترمب الى الزعيم الكوري»المج�'نون», وما هم عليه «عُقلاؤنا» في.. «عيونه» الإمبريالية المُتصهّيِنة.