Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Jun-2017

عالم برسم التشكل - رومان حداد
 
الراي - تتشكل مرحلة جديدة من مستقبل العالم، بعض منحنياتها تحدث بصخب وبعضها بهدوء، ولكن ضربات ريشة من يرسمون المشهد تتنافس كي يكون صاحبها يملك أكبر أثر في الصورة، ففي منطقتنا تبدو التحضيرات على قدم وساق لمرحلة ما بعد داعش، وهي لن تكون مرحلة نهائية ولكنها إحدى المراحل الانتقالية في المنطقة قبل الوصول إلى الصورة بشكلها النهائي.
 
ولا يخرج الاستفتاء المقترح في أيلول القادم من قبل كرد العراق للتصويت على استقلال إقليم كردستان العراق عن العراق إلا أحد أشكال المناورة بالذخيرة الحية على تقسيمات جديدة في المنطقة وإعادة تشكيلها جغرافياً وسياسياً وديمغرافياً.
 
وتدخل في هذا الإطار المناطق المختلف على تسميتها في سوريا، بين مناطق تخفيف الصراع أو التوتر أو المناطق الآمنة، وهي مناطق مختلف على دورها الآني والمستقبلي في تشكيل ما يُعرف حتى اليوم بالدولة السورية، وهناك اختلاف على من يديرها ومدى الصلاحيات التي يتمتع بها.
 
ما يحدث في منطقتنا ليس هو المخاض الوحيد، فأوروبا تخوض مخاضها أيضاً، بين خروج مؤلم أو مريح لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى صرخة فرنسية تدلل على ملل من الأحزاب السياسية التقليدية وفرصة أخيرة لدعم أوروبية فرنسا.
 
فالانتخابات التشريعية الفرنسية تشير، رغم قلة الإقبال الملحوظ، إلى صعود كاسح لحركة (إلى الأمام) التي أنشأها الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون قبل أقل من عامين، ويبدو أنها ستحكم دون صوت مسموع للمعارضة، فبعد أن وصلت إلى الإيليزيه على أقدام ماكرون، فإنها ستحتل أكثر من نصف مقاعد الجمعية العمومية (مجلس النواب الفرنسي)، وستشكل الحكومة الفرنسية، ولأول مرة من فترة طويلة سيتحكم حزب وحيد من دون معارضة ملحوظة بمصير فرنسا.
 
ويبدو أن غالبية الفرنسيين يؤيدون أسباب تشكيل الاتحاد الأوروبي، والذي جاء لمنع صعود القومية في الدول الأوروبية المنضوية تحت هذا الاتحاد، ولتصبح القومية قصة تاريخية يقرؤها الأوروبيون عن مرحلة النصف الأول من القرن العشرين، فهم لا يحبون تكرار مشاهد الحروب الطاحنة بينهم على أسس قومية كالتي حدثت مع صعود كل من (أدولف هتلر)، و(بينيتو موسوليني)، والجنرال (فرانشيسكو فرانكو).
 
الهزة السابقة للاتحاد الأوروبي كانت عبر الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي حيث حقق القوميون، أو من يطلق عليهم اليمينيون المتطرفون، المتشككون في الاتحاد الاوروبي نصراً مذهلاً في انتخابات البرلمان الاوروبي في فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأخرى، وضاعف منتقدو الاتحاد المقاعد التي يشغلونها في البرلمان الأوروبي.
 
وهو الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من السياسيين إلى وصف ماحدث بأنه (زلزال كبير في السياسة على مستوى الاتحاد الأوروبي)، واصفين الأحزاب القومية بـ(الأحزاب الفاشية)، ومعتبرين أن الدول التي أفرزت هذه الأحزاب تعاني من مشاكل لا بد من معالجتها، معتبرين أن نسبة التصويت المتدنية هي أحد العوامل التي ساعدت على صعود اليمين المتطرف وأن هذه النسب المتدنية من التصويت تشكل عاراً على أوروبا.
 
ولا يمكن إنكار أن الصدمة كانت في حقيقتها كون التتصويت الأوروبي قد شكل صرخة احتجاج واضحة من قبل الشعوب الأوروبية في مواجهة فكرة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولهذا الاحتجاج أو الغضب مبررات عدة، منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ومنها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي الثقافي، ومنها ما يتعلق بالجانب السياسي.
 
اليوم تقف فرنسا وألمانيا معاً لحماية المشروع الأوروبي في مواجهة المتغيرات الأوروبية والعالمية للحفاظ على كيان قديم، يريد الألمان والفرنسيون القول إنه كيان كبر وامتلك الخبرات ولم يهرم بعد، بينما تقف بريطانيا بعيداً عن تصور الدول القارية الأوروبية للاتحاد الأوروبي، وتعلن أنه تهالك ويجب إعادة صياغة العلاقات الأوروبية وفق منظومات أكثر حداثة وتحترم الخصوصويات القومية.
 
قلب العالم القديم (الشرق الأوسط وأوروبا) يدخلان مخاضاتهما المختلفة، كي يبقيا قادرين على النبض والحياة في المستقبل، منطقتنا عبر صناديق الذخيرة والاستفتاءات والأوروبيون عبر صناديق الاستفتاء والاقتراع، والسؤال أينا سينجز مهمته بسلام كي يبقى جزءاً فاعلاً بالمستقبل، وأينا سيخرج من التاريخ ويضرب خلفه الباب بقوة، كي يكون على هامش المستقبل، لا تبدو إجابة السؤال معقدة للوهلة الأولى، ولكن ما زلت أراهن أن منطقتنا ورثت من الفينيق دورته الصاخبة بين الحياة والموت والعود الأبدي.