Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Jan-2020

لماذا لم يُقَنِن النظام فك الارتباط طوال سنين مع وجود السلطة الفلسطينية.. وهل سأل عباس نفسه هذا السؤال؟ ليقل الملك ما يشاء نحن نعلم الوضع الذي هو فيه والدولة فيه.. تالياً الصورة القادمة كما أراها

 راي اليوم-فؤاد البطاينة

لم أقرأ جملة مفيدة في اللغط الذي ابتدأ باسرائيل وانتشر في الأردن بعنوان ” فك الارتباط، وإلغائه ” لكني قرأت ما يُشبه التمهيد المبرمج لفعل ما جديد. وبهذا، فقد استمعنا الى تصريحين من مسئولَين رئيسيين بالتتابع والتكامل، وبالمضمون والرسالة بشأن لم يكن لهما أو لغيرهما بصفتهم الوظيفية. ولم يتضمن تصريحَاهما نفياً بوجود نية لدى الأردن بالغاء فك الارتباط، بل فيهما إيحاء بانفتاح الاردن على مواقف جديدة. فالرئيس ذكَّرنا بأن الأردن لا يستطيع عزل نفسه عن الاحداث السياسية في المنطقة. ورئيس الأعيان ذكرنا بأن فك الارتباط لم يكن رغبة أردنية. وهذا صحيح نظرياً، ولكن لماذا لم يقَنِن النظام فك الارتباط طوال هذه السنين رغم وجود السلطة الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني. ولماذا لم يسأل عباس نفسه هذا السؤال مثلا ؟ الا ينطوي هذا على استخدام وفعل سياسي لاحق. لا أجزم أن لدى المسئولَين معلومات بأكثر من منطوق ما صرحا به، ولكن أوحي لهما.
 ما من شك بأن قرار فك الارتباط من الأساس لو كان عملاً واعياً لاعتبرناه تواطؤاً من الدرجة الأولى. لأنه لا يجوز التخلي عن جزء محتل من المملكة لأي جهة كانت قبل تحريره الذي كان متاحا بقرار 242 للدول بموجب معاهدة سلام كانت مطلوبة لذلك الغرض، ولكنا أبرمناها فيما بعد بالمجان وليس فيها الضفة. مما هيأ لاسرائيل اعتبارها أرضا محررة.
 نتكلم عن موضوع الغاء فك الارتباط كمؤشر من مؤشرات الصورة القادمة، وبداية إن حصل هذا الإلغاء فلن يشمل الأرض وسيقتصر على السكان حيث لا يمكن لاسرائيل تحت اي اتفاق أن تتخلى عن سيادتها على الضفة ولا عن قبضتها عليها، ولست في هذا معنيا بالطرق الالتفافية التي ستُعتمد. إلا أن مسألة إلغاء فك الارتباط موضوع يتبع سيناريو المخطط الصهيوني الحالي بالصفقة فيما إذا كان يستهدف الاردن كامتداد لاستهداف فلسطين في سياق وعد بلفور، أو كان يكتفي بفلسطين، مستهدِفا بهذا الأردن كوطن بديل. فنحن أمام حزرين لاحتمالين يشكل أحدهما الصورة المستقبلية ومواصفاتها ولكن كليهما يتطلب نزع الهوية الفلسطينية.
الإحتمال الأول نفترضه الوطن البديل. وهذا له متطلبات هي، إعلان قومية الدولة اليهودية من البحر الى النهر، وتوطين اللاجئين، والترحيل الناعم او الخشن الى الأردن من الضفة وغزة ومن أي مكان ممكن في فلسطين، ويتطلب أيضا ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره في الأردن بما يعني نزع جنسيته الفلسطينية ومنحه جنسية أخرى محايدة بالضرورة. لأن الاردنيين سيكونون عندها شركاء للفلسطينيين في الأردن في قالب سياسي جديد وباسم جديد لدولة جديدة، وأخيراُ يتطلب رحيل النظام الهاشمي الممثل حالياً بالملك فقط. إلا أن هذه المتطلبات ليست حصرا على خيار الوطن البديل وسنأتي لذلك.
وهنا، فإني أعتقد بأن اسرائيل لا يمكن أن تعتبر الوطن البديل عملا أو هدفاً استراتيجياً ونهائيا لها. وذلك من حيث انطوائه أولاً على خطر وتهديد دائمين لها من زاوية افتراضِه لوجود دولة محاذية لها تحتضن شعباً على مرمى نظره دولة تحتل أرضه ووطنه. وكذلك من حيث انطوائه على تخلي الصهيونية عن الأردن كجزء من وعد بلفور والمشروع الصهيوني في الوقت الذي يعيش فيه هذا الكيان مع حالة عربية ودولية كل ما فيها بخدمتها ولأبعد مدى ممكن. فاسرائيل تريد حلاً تعتبره تاريخيا ودائما لها.
 وهنا، وأنا انتقل للإحتمال الثاني أقول بداية، من السذاجة أن نعتقد بأن صفقة القرن أو ما سَيُطرح علينا منها سيحمل مراميها الحقيقية، أو أنها ستطرح مكتملة. فلسنا معنيين بما انطوى عليه ما سُرب من الصفقة من إيحاء بأن الهدف هو فلسطين وقضيتها فقط. وكما نعلم فإن الوضع السياسي للأردن وشعبه ومصيره لم يكن مستقراً منذ إنشاء الدولة وما زال، وأن ذلك مرتبط بالتطورات على الارض الفلسطينية. فهذا الحزر الثاني المتمثل بمحصلته السيرورية ابتلاع الاردن في سياق وعد بلفور هو ما يخدم أولاً إزالة مخاوف اسرائيل من وجود دولة بجانبها بشعب لا ينسى وطنه المحتل، ويخدم استقرار الاحتلال لفلسطين. وثانياً فإنه يخدم المشروع الصهيوني الممتد للمنطقة بدءا من وعد بلفور. وهذا الاحتمال هو الذي أرجحه.
وهنا فإن متطلبات الوطن البديل كلها أو معظمها هي ايضا من متطلبات الاحتمال الثاني الذي أرجحه وسوف تطبق سناً سناً. لكن ليس كالمثل القائل ( مطرح ما…شنقوه ). بل أكثر. حيث سيصار في هذا الاحتمال إلى ضخ مالي ويُسر بعد عسر مصطنع يعقبه عسر لا ينتهي إلا بابتلاع الأردن. وبالطبع لن يتم الابتلاع دفعة واحدة وسيكون المضغ لفترة طويلة وربما عقود فيها الأردن تحت النفوذ الأمريكي كمستعمرة لتطبيق سياسة اسرائيلية فيه. وسينفتح الاردن خلالها على فلسطين او لنقل على اسرائيل ويتكامل معها بكل المشاريع الاقتصادية والادارية. وقد تُعقد اتفاقية مع اسرائيل أكثر تطورا من وادي عربة لصالح اسرائيل، وليس مستبعد ان يكون هناك شكل من الاتحاد معها وأرجح الكونفدرالية بموجب معاهدة. وسيصار الى منح فلسطينيي الداخل بطاقة اقامة بدلا من الجنسية الاسرائيلية. وهذا الإحتمال يتطلب بالضرورة استباقه بهدوء في الجبهة الداخلية الأردنية بأي ثمن. ويتطلب حل السلطة التي ستكون مهمتها بحكم المنتهية ويصبح وجودها متعارضا مع القادم وتحديد وضع غزة. وأهم صعوبة أمام غزة المحاصرة هو الدعم الايراني.
إذا، هناك تداخل وتشابه في طبيعة المرحلة التي نسير إليها في الاحتمالين، تتمثل بوجود وتنفيذ نفس المتطلبات المشار اليها أعلاه على الأرض لكليهما باستثناء ضرورة الإبقاء على ملك هاشمي في الاحتمال الثاني هو بالضرورة ولي العهد الحالي. لكن العامل الحاسم الذي يفصل بينهما هو أن الوطن البديل حتى يكون وطناً بديلا يَفترض أن تكون الدولة الجديدة مستقلة وصاحبة قرار وسياده وخالية من الوجود الأمريكي وبلا أية علاقات وتطبيع مع اسرائيل. وهذا أصلا لا يمكن تحقيقه في دولة فاشلة ومفلسة ورافضه بنفس الوقت.
 الملك بوضعه الحالي هو ملئ اليد ولا يقوى إلا على تنفيذ ما يُطلب منه ولسنا معنيين برفضه الذي لا أساس مادي له وليقل ما يقل. هو يعلم ونحن نعلم الوضع الذي هو فيه، والدولة فيه. وكل خطوة سَتُتخذ في الأردن سيتم طرحها وطرح أهدافها بشكل مختلف عن الواقع بغية التمرير. ولكن الطريق أمامه ما زالت مفتوحة باللجوء للشعب والحل الوطني. فهل يلتقط الفرصة قبل فواتها أم سيبقى في نفس وضعه لحين استنفاذ المطلوب منه. وختاماً، لنتذكر أن فك الارتباط قُدِّم لمنظمة التحرير التي ستبقى حاملة لواء القضية في الخارج. وإن إلغاءه لن يعني سوى نزع الهوية الفلسطينية وسيتم هذا بالإلغاء أو بأي بطريقة واخراج معينين في الاحتمالين. أما ردات الفعل الشعبية فقد تحدثت عنها في مقال سابق بعنوان (هل يتجهون بالاردن الى الوطن البديل ام الى وعد بلفور ). هذه الصورة التي أمامي أكتبها ولكن الميدان يُغير المشاريع والخطط.
كاتب وباحث اردني