Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Jun-2017

مؤنس الرزاز ورؤيته الإسلاميّة - ابراهيم العجلوني
 
الراي - كتب أديبنا الراحل «مؤنس الرزاز» إلى صديقيه إبراهيم العجلوني وفايز محمود، عبر صفحات جريدة الرأي رسالته المعنونة بـ»الرسالة القفارية: من جمعة القفاري إلى إبراهيم العجلوني وفايز محمود» وذلك بتاريخ 9/11/1990م، أي قبل سبعة وعشرين عاماً على وجه التقريب. وقد ابتدأها على النحو التالي:
 
«أخي إبراهيم
 
تحية عربيّة.
 
لا أدري لماذا كنت أنت وفايز محمود ترافقانني وتقفوان أثري كلّما كتبت كلمة في روايتي الجديدة «جمعة القفاري: يوميات نكرة» أضرب مع جمعة القفاري في القفار.. فإذا بكما تكتنفانا عن يمين وشمال، وحين رأى جمعة القفاري نظرة الحيرة في عيني سلمني هذه الرسالة الموجهة لك ولفايز محمود (ولو أنّها بصيغة المفرد) فما كان على الرسول إلا البلاغ.
 
مؤنس الرزاز»..
 
ولقد كان يمكن ان يطوي النسيان هذه الرسالة التي وقعها الصديق الراحل مؤنس باسم «الفارس الدون كيشوتي العربي جمعة القفاري أخوكما في درب الفجيعة الجليلة العصيّة على المصالحة» لولا أن أثبتها «فايز محمود» في كتابه: «آفاق في الأدب والفن» الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية عام 2008 للميلاد، مشفوعة برده عليها.
 
ولقد جاء هذا الردّ على الرسالة تحت عنوان: «ميّت بن نعسان آل طفران يردّ على الرسالة القفارية».. و»ميت بن نعسان» هو المقابل العصري – بحسب فايز – لِـ»حي بن يقظان» صاحب ابن طفيل الفيلسوف.
 
وفي الحق أن رسالة مؤنس وردّ فايز يشكّلان إضاءةً لطبيعة المعاناة الوجودية التي كان يكابدها الأديبان الكبيران كما يظهراننا في الوقت نفسه على عمق انتمائهما العربي الإسلامي.
 
يقول مؤنس رحمه الله في رسالته إن روايته: «جمعة القفاري: اعترافات نكرة» تعبّر عن النتائج التي خرجَ حاملاً إيّاها مع غبار المعارك الطاحنة التي خاضها عبر أعوامه الثلاثين الماضية، والتي تتلخّص في عبارة قالها الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: «يا دنيا غُرّي غيري قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها».
 
ثم يقول إنّ «الإمام علي هنا لا ينطلق فيما يقول من كونه ناسكاً يعتزل في صومعة، وإنما يصدُر قولُهُ عن فارس ثوري يحمل مشروع ورسالة الثورة الإنسانية الكبرى التي (تتجافي) عن الحياة الدنيا وزخرفها وتلتمس الحياة العليا السامية. لهذا قال كرّم الله وجهه: «يا دُنيا غُرّي غيري» ولم يقل: «يا حياة غُرّي غيري» فهو فارسٌ يواجه الحياة ويقبل عليها، لكنه يدير وجهه عن الدنيا ويزهد فيها» وقد جاء في القرآن الكريم: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» «لا زينة الحياة».
 
ثم يقول مؤنس فيما يأخذ دلالة إسلامية لديه إن «الإنسان العربي الجديد هو الذي يزهد في زخرف الحياة الدنيا ويزهد حتى في المال والبنين في سبيل الحياة العليا»، وإن ذلك مفتاح من المفاتيح التي تفسّر اختلاف روايته الرابعة: «جمعة القفاري: يوميات نكرة» عن سابقاتها. اذ بطل روايته هذه إنسان بسيط زاهد في غنائم الدنيا التي يتكالب عليها الناسُ ويتهافتون، كما انه من جهة أُخرى «اشبه ما يكون بفارسٍ انبثق من الماضي العروبي الفروسي.. ليقبل على الحياة السامية ويدير وجهه عن الدنيا الدنية».
 
ثم يقول رحمه الله مخاطباً صديقيه (بصيغة المفرد): «والحياة غير الدنيّة يا عزيزي إبراهيم هي حياة الحريّة والفطرة التي لن تتلفها حضارات الغرب الماديّة، وتكون كل الشهوات والمغريات والغنائم المادية يسيرة الحظر» لديها..
 
وإذ نكتفي بهذه الأقباس من رسالة مؤنس رحمه الله، وننتهي في إلمامتنا الخاطفة هذه إلى ما يُريدُهُ من ابتعاث الفروسية الأخلاقية على نحو ما تمثّلت في الإمام علي كرّم الله وجهه، أي في أنموذجها الإسلامي المتشكّل بين يدي رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإننا نملك توكيد تماهي الإسلام والعروبة في رؤية مؤنس لواقع أُمته، هذه الرؤية التي اخطأ مقوّمها الرئيس (أقصد الإسلام) كثير ممّن تناولوا أعمال أديبنا الراحل.
 
لقد اشتملت رسالة مؤنس آنفة الذكر وردّ فايز محمود عليها على أساس ما قد يكون بحثاً مطولاً في أثر الإسلام في أدبنا الأردني المعاصر، ولا سيما أدب مؤنس الرزاز الذي وضعت هذه الرسالة القيّمة بين أيدينا واحداً من أكثر مفاتيحه أهمية.. وقد يكون لحديثنا هذا صِلة..