Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jun-2020

في خريف الشباب*إسماعيل الشريف

 الدستور

(والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكْر، لصافَحَتكُم الملائكة على فُرشِكم وفي طُرقِكم، ولكن يا حنظَلة ساعة وساعة، ثلاث مرات)، حديث شريف.
 
ها أنا أودع عامًا لاستقبل عامًا جديدًا.
 
أعترف بأنني لم أعد بنشاطي وحماستي المعهودتين في إمضاء الساعات المضنية في العمل، ولا أستطيع أن أركِّز في أمرٍ ما لساعات طويلة، وتغيرت نظرتي في كثير من نواحي الحياة، لا تستهويني السيارات ولا الأموال ولا المظاهر، أُفَضِّل أن «أبحْلق» بالسقف أو أن أقرأ رواية جميلة، لم يعد يسرني ما كان يسرني، ولم يعد يغضبني ما كان يغضبني، وأصبح جُل تفكيري إشغال وقتي «بالفراغ»، أو في هواية أحبها.
 
لم أكن فخورًا بما أصبحت عليه، فقيمنا المجتمعية وتربيتنا تفرض علينا الشعور بالذنب إذا ما اختطفنا سويعات لا نفعل فيها شيئًا، ومجتمعنا يرفض فكرة السكون، فالشخص الساكن هو بنظره الكسول والفاشل والهامل الذي لا يصلح لشيء، حتى لو كان ذلك الكسل البسيط بعد أطنان من العمل الجاد وسنوات طويلة من الكدح، فلا راحة إلا بالموت.
 
ولكن بعد أن قرأت للفيلسوف برتراند راسل بدأت في تقبل شخصيتي الجديدة هذه، فالرجل الحاصل على جائزة نوبل، يسهب في شرح أهمية الفراغ وتعبئة هذا الفراغ بالترفيه، ففي مقالته «تمجيد البطالة» التي كتبها عندما كان في مثل عمري وشعر بما أشعر به، يقول فيها: إن تحقيق السعادة يكمن في أوقات الفراغ والترفيه، وإن من أهداف الثورة الصناعية كان تخفيض ساعات العمل وزيادة ساعات الفراغ، ولكنه يحذر من الخمول المفاجئ الذي سيؤدي للملل، فحتى الفراغ يحتاج إلى تدريب.
 
ويذهب الفيلسوف بعيدًا حين يدعي بأن الطبقة المرفهة الخاملة هي التي أخرجت البشرية من العصور البربرية، وأن الإنسان بفطرته يميل للفراغ والترفيه، ويحذر الإنسان من أن انغماسه في العمل سيفقده أجمل الأشياء.
 
لا أشكك مطلقًا في أهمية العمل ومعانيه العميقة، ولكن إذا كنت تحب عملك ومدمن عليه جرب أن تستريح قليلًا؛ ستُقبِل عليه وستُبدِع به أكثر، وتذكّر بأن في الحياة مباهج أخرى خلاف العمل؛ كالتفاعل الاجتماعي، وبناء ورعاية العائلة، وممارسة الهويات، أو حتى عدم القيام بأي شيء.
 
غالبًا ما سترفض هذه الفكرة وتستسخفها، لذلك سأروي لك قصة؛ عملت ممرضة أسترالية لمدة اثني عشر عامًا في مشفى كانت وظيفتها رعاية من هم على فراش الموت، بالإضافة لرعايتهم كانت تسألهم سؤال: ما أكثر الأشياء التي ندمت عليها في حياتك، وجمعت كل الإجابات في كتاب تحت عنوان أكثر خمسة أشياء ندمًا عند الموت، وكانت الإجابات:
 
- أتمنى لو امتلكت الشجاعة لأحيا الحياة التي أريدها لا الحياة التي أرادها الآخرون.
 
- أتمنى لو لم أعمل بكل هذا الجد.
 
- أتمنى لو كان لديّ الشجاعة لأعبّر عن مشاعري.
 
- أتمنى لو تواصلتُ أكثر مع أصدقائي.
 
- أتمنى لو حاولتُ أن أحيا حياةً سعيدة.
 
ها أنا أعَبِّر عن مشاعري وأنا أعْبُر عامًا جديدًا، وأقول: ربما آن أوان عدم تعبئة جدول مواعيدي بشيء! وأنت عزيزي القارئ لا تدع عملك يأخذك من أحبتك فقد تندم في يومٍ ما.