Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2019

توجيهات الملك للحكومة*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

ليست المرة الأولى التي يقوم خلالها جلالة الملك عبدالله الثاني علنا بتوجيه السلطات في عملها، ولا يعني هذا بأن هذه السلطات ترتكب أخطاء، لكنها ربما لا تقوم بما يلزم لتوضيح سياساتها للناس، لهذا قال جلالة الملك للحكومة أثناء ترؤسه أمس الأول اجتماع مجلس الوزراء، حين طالبهم بتوضيح مسألة التعيينات للناس، وقد جاءت توجيهات جلالته استجابة لما يشعر به الناس من غضب حول هذه التعيينات حين قرأوا الأسماء ولم يلتفتوا الى الامكانيات والقدرات والحقائق الأخرى، وهذه التفاتة ملكية تستحق منا التوقف عندها والتحدث عنها بصراحة.
يتدخل جلالته دوما لصالح الشعب وفئات من الجمهور الأردني، الذي يتظلم او يعترض على سياسات او قرارات أو قوانين ما، وهذه حقيقة تؤكد أن جلالته هو الأقرب لنبض الشارع الأردني، وهو الأكثر قبولا لدى الشعب والجمهور المعترض، وهي الحقيقة التي يتجاوز عنها كثيرون من الذين يعترضون على «الفاضية والمليانة»، بل إن بعضهم اعتبر تدخل جلالة الملك بمثابة طوق نجاة للحكومة في كل أزمة تواجهها !!، وعلى الرغم أن الحكومة هي حكومة جلالته وتحكم الشأن العام باسمه وتنفذ توجيهاته حسب الدستور، إلا أن جلالته حين يتدخل في قضية عامة يكون هذا التدخل ضمن صلاحياته الدستورية وواجبه السياسي والأخلاقي للتخفيف عن الناس والوطن، وفي كل مرة تدخل الملك رضي الناس وشكروا..
لكن ورغم هذا الحضور الملكي الإيجابي، تجد من يطالب في هذا الوقت بحكومات دستورية يتخلى لصالحها جلالة الملك عن صلاحياته، وكأننا وصلنا فعلا الى هذا المستوى من الإدارة السياسية للشأن العام، أو أن وضعنا السياسي وأداءنا أصبحا يستندان الى ثقافة ديمقراطية حزبية، يؤدي السياسيون فيها أدوارهم بناء على رؤى وبرامج وأهداف واضحة، أو أن مجتمعنا قد تخلى فعلا عن الثقافات الرعوية التي تتفاقم لدى بعض الفئات لتطغى على القوانين والحقوق والعدالات جميعا.. 
بالله تخيلوا لو أن جلالة الملك لا يتدخل في توجيه كل السلطات الى جادة الصواب، والخروج من العلاقة المرتبكة مع المواطن التي تفضي الى مزيد من هدر ثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة!.
لو أردنا أن نقول كلمة منصفة بحق أداء السلطتين «التنفيذية والتشريعية»، فنقول صوابا لو اختصرنا الكلام وقلنا «لا يبليان حسنا»، وإن رغبنا بقليل من توضيح حول جزئية التعيينات مثلا، لقلنا إن ما هو أهم من الاعتراض على تعيينات بعض المسؤولين في بعض المؤسسات، هو أداء بعض الوزراء، فهو غير مقنع ويتسلل الخطأ منه ومن خلال أكثر من نافذة، ولتحدثنا أيضا عن السلطة التشريعية وعن مجلس النواب تحديدا بأنها تسيطر عليها غالبا عقلية «تحقيق العدالة للقواعد الانتخابية وتحصيل حقوقها»، وهي عقلية تنطوي على جانب كبير من ثقافة الفساد والانتهازية والتجاوز على حقوق باقي فئات الشعب، ولعلنا كتبنا كثيرا في هذه الزاوية عن الوزراء الضعيفين، الذين يتحاشون «تنمر بعض النواب على الحكومة» بتقديم تسهيلات لهم ولمطالبهم تمييزا لهم عن سائر الأردنيين، وهي حقيقة لا يمكن لأي أحد ان يشكك فيها، لأنها تستحوذ على أداء المؤسسات الرسمية، فكلها تريد ارضاء النواب لتجنيب الحكومة الانتقاد والطلعات «الوطنية» التي تكبل الحكومات وتقلّص من عمرها.
الذي يستغل قصة التعيينات ويوظف الزيارة الملكية توظيفا خاطئا، عليه أن يتحدث بموضوعية وينظر الى المشهد كله، ويضع في عين الاعتبار بأن المسافة ما زالت طويلة بيننا وبين سيادة القانون، وعدالة الديمقراطية، وثقافة حقوق الإنسان، رغم خطاباتنا الرنانة في الاعلام وفي وسائل التناصل الاجتماعي والوطني، وليس التواصل.
في هذه المرحلة من عمر الدولة الأردنية الساعية لمزيد من بناء في الفكر والثقافة قبل البنى التحتية الأخرى، علينا أن نذكر تدخلات جلالته بإيجابية، وأن نحمد الله بأنه يتدخل عند اللزوم من أجل المواطن قبل الحكومات وغيرها، ولنقم بما يجب علينا من توسيع مدارك واحترام للقانون والتحدث بموضوعية عن القضايا العامة، بعيدا عن التهويل والشطط، فهما صفتان تعبران عن تواضع بل ضحالة خبرة وعلم المتحدث بهما.