Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-May-2018

"من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه" - د. محمد المجالي
 
 
الغد- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاث فرص للمسلم في رمضان ليغفر الله له ما تقدم من ذنبه، كلها جاءت في أحاديث صحيحة، أولى هذه الفرص الصيام، فقال عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه"، فمن صام شهر رمضان مؤمنا بالله الذي فرض صيامه وأدّاه كما ينبغي وعلى الوجه الصحيح محتسبا الأجر عند الله، فقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه، ونلاحظ من الإيمان والاحتساب هنا مطلق الاستسلام للخالق سبحانه، ورجاء الأجر العظيم عنده، فهي نفس فقيرة إلى رحمة الله، متذللة منكسرة أمامه سبحانه، ترجو عفوه على ما اقترفت يداه، وكلنا ذلك الإنسان الذي وقع فيما نهى الله عنه، أو تكاسل عما أمر به، ولكنه الرجاء أن يخفف، بل يزيل عن ظهورنا تلك الأوزار التي أثقلت ظهورنا.
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم فرصة أخرى للمسلم، فلعله قصّر في متطلبات صيامه، صحيح أنه صام عن شهوتي البطن والفرج، ولكنه عرّض صيامه لكثير من المثالب، فهنا يقول صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، والقيام هنا هو ما عُرِف بصلاة التراويح، وسأتحدث عنها أكثر بعد قليل.
ولعل ذلك القيام أيضا لم يوفّه المسلم حقه، يقصّر فيه، فهنا تأتي الفرصة الثالثة التي بينها حبيبنا صلى الله عليه وسلم في قوله: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، فهي ليلة، ولكنها غير معلومة، محصورة في العشر الأواخر، فيها -زيادة على مغفرة ما تقدم من ذنب المسلم- أنها خير من ألف شهر في العبادة، خيرية مطلقة، تشمل الأجور والبركة والسلْم الباعث على الطمأنينة، والعتق من النار، ونزول الملائكة التي تستغفر للمؤمنين، فيا لها من ليلة لمن أدركها.
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفرص الثلاث، يبين أن الله يريد من عباده جميعا أن لا يخرجوا من رمضان إلا وقد غفر الله لهم، ولذلك جاء في حديث آخر: "رغِم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يُغفَر له"؛ أي خاب وخسر، فرمضان فرصة عظيمة، يرتقي به الإنسان في صيامه وقيامه وذكره لله تعالى، وأداء الحقوق فيه، موسم لا كغيره من المواسم، فهو فرصة الارتقاء الروحي والتحرر النفسي والتدريب البدني، ومصنع الإرادة وقوة الشخصية واكتشاف الذات.
وعودة إلى موضوع القيام، الذي حصل فيه لغط بين المسلمين، فمن سائل حول صلاة السنة جماعة، إلى آخر يستفسر عن عدد ركعات القيام، إلى آخر يخلط بين القيام الذي هو التراويح مع التهجد الذي هو في الغالب آخر الليل، وهكذا.
ابتداء فالقيام سنة لا فريضة كالصوم، ولكن أجره كما بينا عظيم، وهو فرصة للتدريب أيضا أن يغيّر المسلم من روتين حياته، فكما الصيام الطويل الشاق يمسي بسيطا عاديا عندما نصومه، فكذا القيام الذي مدحه الله: "كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون"، "والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما"، فلا بد للمؤمن من تدريب عليه في هذا الشهر ليتعوده في سائر أيامه، أو على الأقل ليجد لذته في هذا الشهر على وجه التحديد.
قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فصلى خلفه مجموعة من الصحابة، وفي الليلة التي بعدها كذلك، إلى أن جاءت الليلة الأخرى فلم يخرج من بيته، وعقّب بأنه يخشى أن تُفرَض عليكم، وبقي المسلمون يصلونها فرادى بقية حياته صلى الله عليه وسلم، وكذا في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم جمعهم عمر بن الخطاب على أبيّ بن كعب رضي الله عنهما، فالغرض الذي لأجله لم يجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم قد زال، فلم لا يصلون جماعة! فاجتمعوا، وقال عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة"، ويقصد بالبدعة هنا ما فعله، وإلا فهي بالمعنى الشرعي ليست بدعة؛ إذ لها أصل وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء لولا أنه خشي أن تُفرَض علينا.
معظم الروايات التي عليها المذاهب الأربعة وغيرها، وعليها فعل الصحابة والسلف، والذي استمر إلى يومنا هذا في المسجد الحرام والمسجد النبوي أنهم صلوا عشرين ركعة، وروي أن أهل المدينة كانوا يزيدون ليلحقوا بأهل مكة الذين كانوا يطوفون كل أربع ركعات، والمهم أنه فعل الصحابة، وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على اتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
بقي المسلمون على هذا في معظم أقطار الدنيا، إلى أن جاء من يبرز حديثا لعائشة رضي الله عنها، مفاده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، ولأن بعض هؤلاء يأخذون بظاهر الحديث (وهي آفتهم)، فقد عدوا الزيادة على الإحدى عشرة ركعة بدعة ومخالفة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاقت هذه هوى عند كثيرين، فهم يبحثون عن التخفيف، لتقاعس الهمم في هذا الزمان، والغريب أنهم يرون، وربما يصلون في الحرمين عشرين ركعة، لكنهم يستهجنون هذا في سواهما، وكأن العشرين فقط للحرمين!!
الأصل أن نتميّز بالقيام في رمضان، ونستشعر لذة القرآن يتلى، ولذة الخضوع والسجود والدعاء، فهو موسم فيه ما فيه من الرحمات والنفحات، أما أن يصلي أحدنا أربعا أو ثمانية ويريدها سريعة ليلحق ببعض المتع والبرامج التلفزيونية أو التسلية بأنواعها من تدخين وأرجيلة ولعب ورق، وربما سهرة حتى السحور على أنغام موسيقى وغير ذلك، فلا أدري أهو شهر مغفرة أم شهر معصية؟!
أما حديث الإحدى عشرة ركعة، فله تأويلاته، فمنهم من عده في سياق التهجد، ومنهم من ذكره ليكون عدد ركعات الوتر، فقد أوتر صلى الله عليه وسلم بركعة وثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة ركعة، وحتى لو لم يكن لا هذا ولا ذاك فهو فعل الصحابة، فهل كان ما فعلوه واستمر إلى يومنا هذا في الحرمين كله بدعة، فالأمة عبر تاريخنا مبتدعة إلى أن جاء من يصحح مسارها! حقا نحن بحاجة إلى الفهم، وسعة الصدر في الحوار، واحترام بعضنا بعضا، وقد رأينا بعض العوام يفرضون رأيهم على أئمة المساجد في هذه المسألة، ومرة أخرى هي ليست فريضة، فمن لم يصلها فلا إثم عليه، ومن صلاها في بيته فلا إثم عليه، ومن صلى أربعا أو ثماني ركعات أو زاد أو قلل فلا إثم عليه، ولكن الإثم في تفريق المسلمين، وإعلاء الصوت والنزاع، فاتركوا العابدين في مسعاهم ليكون قيامهم سببا لمغفرة ذنوبهم ورقي أرواحهم.