Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Jul-2020

ماذا وراء اصطفاف إيران المفاجئ مع تركيا؟

 الغد-ميسم بهرافيش؛ وحميد رضا عزيزي* – (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 1/7/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
منذ التوغل العسكري التركي في شمال شرق سورية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، الذي سُمي “عملية ربيع السلام”، وخاصة بعد هجوم الحكومة السورية على معقل المتمردين في إدلب في كانون الأول (ديسمبر) بمساعدة حاسمة من المليشيات المتحالفة مع إيران، تعمقت العلاقات الثنائية بين أنقرة وطهران. حتى الآن.
في إعلان مفاجئ أشر على تحول ملحوظ في سياسة إيران الإقليمية، أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عن “دعم” طهران لحكومة الوفاق الوطني “الشرعية” التي تدعمها تركيا في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مولود كافوس أوغلو في 15 حزيران (يونيو). وكان هذا أول اعتراف رسمي من الحكومة الإيرانية بحكومة الوفاق الوطني الليبية، وسط مزاعم وإشاعات بأن فيلق الحرس الثوري الإسلامي ينقل الأسلحة خلسة إلى قوات الجيش الوطني الليبي المدعوم من روسيا بقيادة خليفة حفتر.
وفي نفس ذلك اليوم، شنت تركيا عملية عسكرية شاملة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وفي خطوة مفاجئة أخرى، وعلى الرغم من اعتراضات طهران المعتادة على أي انتهاك للسيادة العراقية، شن الحرس الثوري بالتزامن هجومه الخاص من الشرق وضرب مواقع “حزب الحياة الحرة الكردستاني”، وهو جماعة كردية متشددة تسعى إلى تحقيق الحكم الذاتي للأقلية الكردية في إيران، والتي يُعتقد أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحزب العمال الكردستاني.
التقارب المفاجئ للمصالح الجيوسياسية والأمنية بين طهران وأنقرة، أو بشكل أدق، جهود إيران لإصلاح الأسوار مع تركيا، ليس مصادفة. فإيران التي تصبح محشورة باطراد بين ضغوط متزايدة بسبب حملة “أقصى الضغط” من العقوبات الاقتصادية التي تقودها إدارة ترامب ضدها، وبين الضغط المستمر من كوكبة تقودها الولايات المتحدة من منافسيها العرب -بما في ذلك في العراق- أصبحت في حاجة ماسة إلى فُرجة إقليمية للتخفيف من آثار العزلة، وتبدو تركيا في وضع جيد لتسهيل ذلك على الرغم من الخلافات المتبادلة طويلة الأمد بين البلدين في سورية. وتشكل إمكانات تركيا كحليف للولايات المتحدة وكفاعل الإقليمي حازم أهمية خاصة بالنسبة للقيادة في طهران، لأن تركيا الآن، على عكس عهد أوباما، كانت مترددة في مساعدة إيران على تفادي العقوبات الأميركية في عهد ترامب، مما يجعل إيران أكثر انكشافاً ويرغم الإيرانيين على الاعتماد بشكل متزايد على العراق لهذا الغرض. وفي حين انخفض حجم التجارة الثنائية بين إيران وتركيا بنحو 50 في المائة بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية -من حوالي 10.7 مليار دولار في العام 2017 إلى ما يقرب من 5.6 مليار دولار في العام 2019، وفقًا لأحد التقديرات- تشهد العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع العراق ازدهارًا على الرغم من زيادة الضغط الأميركي على بغداد لعكس هذا الاتجاه.
لكن ليبيا والقضية الكردية ليستا المجالين السياسيين الوحيدين اللذين قد تتلاقى فيهما مصالح طهران وأنقرة. في المؤتمر الصحفي المشترك يوم 15 حزيران (يونيو) مع نظيره التركي، قدم وزير الخارجية الإيراني، ظريف، أيضًا إشارة مهمة، ولو أنها أُهمِلت إلى حد كبير، بشأن اليمن. وقال: “لدينا وجهات نظر مشتركة مع الجانب التركي حول سبل إنهاء الأزمة في ليبيا واليمن”، مشيراً إلى احتمال نجوم إعادة اصطفاف إقليمية بين إيران وتركيا ضد الكتلة التي تقودها السعودية في الصراعين اليمني والسوري.
منذ بداية غزو التحالف بقيادة السعودية لليمن في آذار (مارس) 2015، دعمت تركيا الحملة العسكرية للتحالف وعارضت الحوثيين المدعومين من إيران. ومع ذلك، بينما توترت علاقات تركيا مع المملكة العربية السعودية في العام 2018 بسبب قضية مقتل خاشقجي، بدأت أنقرة في إعادة النظر في موقفها تجاه الصراع. والآن بعد أن فشلت الحملة التي تقودها السعودية في هزيمة الحوثيين، بينما تشهد الرياض في الوقت نفسه خلافات متزايدة مع حليفتها الإمارات بشأن خططها طويلة المدى لليمن، تبنت تركيا سياسة أكثر نشاطًا تجاه الحرب الأهلية اليمنية.
في سياق هذا النهج الجديد، تسعى تركيا إلى زيادة نفوذها في اليمن، خاصة في الأجزاء الجنوبية من البلد الذي زقته الحرب، من خلال تقديم دعم نشط لحزب الإصلاح المعروف بأنه الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، وردت تقارير مؤخرًا عن إرسال مسلحين مدعومين من تركيا من سورية إلى اليمن للقتال إلى جانب القوات الموالية للإخوان وضد القوات والمقاتلين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة في المجلس الانتقالي الجنوبي. ولذلك، على الرغم من عدم وجود علامة على وجود أي تحالف محتمل بين القوات المتحالفة مع إيران وتركيا في اليمن، يبدو أن الهدف المشترك المتمثل في توجيه ضربة للتحالف الذي تقوده السعودية وانتزاع التنازلات منه قد جلب المواقف الدبلوماسية لطهران وأنقرة أقرب إلى بعضها بعضا في قضية اليمن.
كما أسهم قلق مشترك بشأن التوسع المحتمل لنفوذ الرياض، وكذلك نفوذ إسرائيل الإقليمي، في دعم إيران لموقف تركيا من ليبيا. وفي حين أن روسيا وسورية؛ كلا الشريكين الإيرانيين، يدعمان الجيش الوطني الليبي، فإن الجمهورية الإسلامية سوف تفضل أن ترى حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا وهي تتوطد على تمكين المحور السعودي-المصري في شمال أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دعم الرياض المباشر وغير المباشر لقوات سورية الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد بهدف مواجهة نفوذ كل من إيران وتركيا في سورية، يعطي طهران وأنقرة حافزاً إضافياً للتعاون.
مع ذلك، وبالقدر الذي يهم طهران، فإن إعادة التموضع للاصطفاف مع أنقرة ضد الرياض هو شأن أكثر تكتيكية، والذي يهدف بشكل أساسي إلى تكثيف الضغط على السعوديين لتغيير نهجهم تجاه إيران. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من تأكيد الجمهورية الإسلامية دعمها للسلطة المدعومة من تركيا في ليبيا، أكد العميد حسين دهقان، المستشار العسكري للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، مؤخرًا، استعداد إيران للتصالح مع السعوديين. وقال في مقابلة يوم 22 حزيران (يونيو): “إذا قبلت السعودية فنحن مستعدون للتحدث معهم من دون أي شروط مسبقة”.
وبعد يوم واحد من مقابلة دهقان، أعلن الحوثيون عن مجموعة جديدة من الهجمات بالصواريخ والطائرات من دون طيار ضد مجمع وزارة الدفاع السعودية وأهداف عسكرية الأخرى في الرياض. وهكذا، من خلال تشديد القبضة على المملكة العربية السعودية في مجال الدبلوماسية الإقليمية -عن طريق إعادة الاصطفاف مع تركيا- وكذلك على الأرض، يبدو أن إيران تسعى من خلال حملة الضغط الخاصة بها إلى إجبار القادة السعوديين على الاعتراف بموقف إيران الإقليمي والتصالح معها.
مع وضع هذه الديناميات في الاعتبار، تبدو نظرة تركيا إلى التقارب الأخير مع إيران ذات طبيعة تكتيكية مماثلة. لن يقتصر الدعم الدبلوماسي الإيراني لحكومة الوفاق الوطني على مساعدة أنقرة على إضفاء الشرعية على تدخلها في ليبيا فحسب، وإنما يمكن أن يؤدي أيضًا إلى حل يحفظ ماء الوجه لتركيا في سورية. وعلى الرغم من أن الوضع في إدلب استقر جزئياً في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في 5 آذار (مارس) بين تركيا وروسيا، إلا أن حكومة أردوغان تعرف أن الوضع الراهن غير مستدام على المدى الطويل وأن الجيش السوري وحلفاءه سوف ينفذون، عاجلاً أم آجلاً، عملية عسكرية حاسمة في المنطقة. وفي ظل هذه الظروف، فإن إعادة نشر المتمردين المسلحين إلى ليبيا واليمن يمكن أن تخفف، إلى حد ما، مخاوف أنقرة بشأن إمكانية دخول هؤلاء المتمردين الإسلاميين في أغلبهم إلى الأراضي التركية وتشكيل تهديد أمني لراعيتهم نفسها. وفي الأثناء، من خلال تقليص فرص حدوث نزاع شامل بالوكالة، سيزيد هذا التحرك من احتمال التوصل إلى تسوية بين تركيا وإيران وروسيا في سورية. لكن هذا لا يعني مع ذلك أن الخلافات الجوهرية بين إيران وتركيا في المنطقة، وخاصة في سورية، سيتم حلها بسرعة، ناهيك عن إمكانية حلها بشكل تلقائي.
بدلاً من المسارعة إلى الإعلان عن ظهور تحالف جديد في المنطقة، يبدو أن التقارب الأخير بين إيران وتركيا هو زواج مصلحة، والذي يهدف إلى تأمين مصالح منفصلة لكل طرف. وثمة عوامل مثل إمكانية تعزيز التنسيق بين أنقرة وواشنطن في سورية، وحدوث انفراج محتمل بين إيران والمملكة العربية السعودية، ورغبات طهران في عدم تنفير روسيا من خلال اتخاذ موقف أكثر نشاطاً ضد خليفة حفتر -والتي يمكن أن تؤثر سلبًا على إعادة الاصطفاف الجديدة بين إيران وتركيا.
 
*ميسم بهرافيش: محلل في مؤسسة “غلف ستيت أناليتيكس” لتحليل المخاطر، وشركة الإنتاج الإعلامي “بيرسيس ميديا”. عمل كمحلل استخباراتي ومستشار سياسات في إيران من العام 2008 إلى العام 2010، وهو يكمل حاليًا درجة الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة لوند، السويد. تتمحور أبحاثه حول أمن الشرق الأوسط، مع تركيز خاص على السياسات الخارجية والأمنية لإيران وسورية.
*د. حميد رضا عزيزي: زميل ألكسندر فون همبولدت في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين. كان أستاذًا مساعدًا للدراسات الإقليمية في جامعة شهيد بهشتي في طهران (2016-2020) ومحاضراً زائراً في قسم الدراسات الإقليمية في جامعة طهران (2016-2018).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: What’s behind Iran’s sudden realignment with Turkey?