Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Mar-2018

سباق جديد للتسلّح.. أم كبح لـ«الهيمنة»؟ (1-2) - محمد خروب

 الراي - نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع واشنطن وحلفائها أمام جدول أعمال دولي جديد، يصعب على المعسكر الغربي تجاهله او القفز عنه او مواصلة النهج الإستعلائي الذي ساروا عليه منذ عقود, وبخاصة ومباشرة بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد منظومة الدول الاشتراكية واختفاء حلف وارسو، الأمر الذي لم تواجهه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بحكمة وبُعد نظر، بل تعاطت معه وفق منطق المنتصر والمهزوم, وذهبت (واشنطن) وذراعها التابع (حلف شمال الاطلسي) في عملية انتقام ونشوة انتصار عمياء, تسعى بلا توقف من أجل إسقاط دولة روسيا الاتحادية وتفكيكها واثارة الفوضى ودعم الحركات الانفصالية فيها, التي في معظمها ذات جذور ارهابية مُعلَنة, تم «استيراد» معظمها من بقايا جماعات الاسلام الجهادي, التي عمِلت بدعم وارشاد وتمويل من المخابرات الاميركية وبعض الدول العربية.

ما بدا وكأنه انتصار «نهائي» للرأسمالية على الشيوعية والفكر الاشتراكي وتراث حركات التحرر الوطني, وما راكمته البشرية من مكتسبات في مواجهة الامبراطوريات الاستعمارية التقليدية حتى صعود الولايات المتحدة كزعيمة للمعسكر المعادي للشعوب وحقوقها في الحرية وتقرير المصير والتمتع بثرواتها.. اصبح الان بل منذ صعود فلاديمير بوتين اوائل الألفية الجديدة, على رأس دولة مُنهَكة تعاني الفوضى وتتغول على اراضيها المافيات وتعبث وكالات الاستخبارات الغربية والصهيونية على اراضيها فساداً وافساداً وتدميراً.. اصبحت واشنطن أمام مشهد جديد ينهض على مواجهة من نوع جديد, لا تقوم في الاساس على طابع ايديولوجي، الأمر الذي لم تعهده زعيمة القوى الامبريالية العالمية منذ انتهاء الحرب الثانية واندلاع الحرب الباردة، ما أسهم في إرباك خططها ودفعها ليس فقط في البحث عن عدو «جديد», تمثَّل منذ احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في ما بات يعرف في اعلام الغرب الاستعماري «الارهاب الاسلامي», بل في استمرار الادارات الاميركية المتعاقبة اعتبار روسيا عدواً ومنافساً, لا فرق هنا بين ادارة جمهورية محافظة واخرى ديمقراطية ذات خطاب مزيّف يبدو اكثر مرونة، لكن «المؤسسة وحزب الحرب» فيها هما اللذان يتحكّمان في قرار ساكن البيت الابيض.
ما علينا..
خطاب الاول من آذار2018 المدوّي وغير المسبوق, في «رسائله» وما انطوى عليه وما أراد الروسي ايصاله بالصوت والصورة والحزم الذي ميّز نبرته، يؤسس (الخطاب) لمرحلة جديدة سيكون عسيراً على المحللين الخروج باستنتاجات قاطعة عمّا يمكن ان تنتهي اليه مواقف عواصم الغرب الاستعماري, التي فوجئت بمضامين الخطاب وراحت ردود افعالها الغاضبة – بل والمرتبكة بلا مبالغة – في اتجاهات مختلفة بعضها يسعى لاستدراك الحكمة عبر التذاكي, والزعم بأن الاسلحة النووية التي اشار اليها بوتين لم تبلغ المراحل النهائية في تجاربها، وغيرها مما اتكأ على خطاب الحرب الباردة وراح يغرف من المعين الايديولوجي، فيما سارعت ادارة ترمب للاتصال بحليفيها في برلين وباريس, ليخرج ترمب وميركل وماكرون بخلاصة متهافتة لا تجيب على ما دعا اليه بوتين من ضرورة التمسّك بالقانون الدولي والحوار واحترام سيادة الدول ليقول ثلاثتهم: ان خطاب بوتين وحديثه عن الاسلحة النووية «يُشتّت الانتباه عن النقاش المثمر حول مجموعة واسعة من القضايا المشتركة بين روسيا والغرب». ليس ثمة جديد في ما قاله زعماء الدول الثلاث الأهم في المعسكر الغربي (دع عنك بريطانيا), بل ان ذهاب بعض ردود الفعل الغربية الى استعادة التجربة السوفياتية في سباق التسلح الذي اندلع خلال الحرب الباردة والذي أدى ضمن امور اخرى، الى خسارة الاتحاد السوفياتي وفي النهاية هزيمته وتفكّكه، بعد أن لم يستطع مواجهة السباق المُكلِف الذي فرضته عليه الولايات المتحدة وتحديداً في عهد رونالد ريغان وحرب النجوم الشهيرة، يعكس مدى الحرَج الذي باتت عليه ادارات المعسكر الغربي, التي لفرط غطرستها وغرورها واصلت التعاطي مع روسيا الاتحادية وكأنها الاتحاد السوفياتي. سواء في ما خص التسلّح والنفوذ, أم في تجاهل ما حدث داخل روسيا وبالأخص اقتصادياً واجتماعياً, والاختلاف في توزيع الموارد والقطاعات الصناعية العسكرية عن تلك التي واظبت موسكو السوفياتية العمل عليه, بضيق افق وبيروقراطية قاتلة وغياب الحماسة عن قياداتها المتكلّسة التي تمثّلت في عهد ليونيد يريجنيف البائس.
كم كانت لافتة اجابة الرئيس الروسي يوم أمس, عن سؤال وجّه اليه خلال منتدى الإعلام الروسي مفاده: ما هو الحدث التاريخي الرئيسي الذي ودّدت لو كان بامكانك تغييره؟ فأجاب فوراً بلا تردّد او تفكير: هو انهيار الاتحاد السوفياتي.
هذه «المسألة» الأكثر هيمنة على تفكير الرئيس الروسي منذ وصوله الى الحكم, وهي كما دلّت الوقائع هي التي تحكم خطواته وتسيّر أعماله, وللمرء ان يتذكّر ما كان قاله بوتين في كلمته أمام منتدى ميونيخ للأمن في العام 2007 في هذا الخصوص, عندما اعتبر ان سقوط الاتحاد السوفياتي هو «اكبر كارثة جيواستراتيجية حدثت في القرن العشرين».
 
للحديث بقية..