Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Jun-2017

إعادة إنتاج النخبة وتغيير معادلة الجذب والاستبعاد - رومان حداد
 
الراي - الرغبة العامة بالتغيير في الأردن، والتي عبر عنها جلالة الملك أكثر من مرة، سواء أكان ذلك من خلال الأوراق النقاشية أو من خلال لقاءاته مع الأردنيين، وما يشعر به المواطن العادي من ضرورة التغيير، كل ذلك يصطدم بالنخبة الموجودة حالياً وآلية إفراز النخبة في الأردن، فالتغيير يبدأ عبر وضع آليات جديدة لإفراز النخب القادرة على إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
 
فمع غياب الآليات الحداثية في تبادل السلطة تبدو الآليات القديمة هي التي ما زالت فاعلة في كيفية إنتاج النخبة، مع ما أصابها من تهتك بحكم عدم تطويرها أو تحسين شروطها بصورة تتلاءم مع المتغيرات التي حصلت، فالـتـنـافـس حــول الــنــفــوذ الــســيــاســي، يــدفــع أفـــراد الـنـخـبـة الموجودة اليوم إلـــى تـوسـيـع شـبـكـات تحالفاتها، وتصـعـيد بـعـض الأفــراد فـي سـلـم الـهـرم الاجـتـمـاعـي، وتـمـكـنـهـم مـن اخـتـراق دوائــر صناعة الـقـرار، مـمـا ساعد على تشكل تـراتـبـيـة داخـل دوائـر الـنـخـبـة المحلية نـفـسـهـا، ويـقـوي من أدوار الوساطة.
 
فهذه النخب لا تملك تصوراً استراتيجياً حقيقياً، بل ما تملكه هو غريزة البقاء فقط لا غير، وبالتالي فهي جاهزة لتقوم بـأدوار لا تتوافق مع مجموعة قيمها الاجتماعية والثقافية إذا ما كان ذلك ضرورياً لبقائها في تلك اللحظة السياسية، أي أنها صارت قصيرة النظرة وتقوم بتغليب مصالحها الخاصة الآنية على مصالح الدولة العليا وعلى مصالحها الاستراتيجية، وبما أن عملها يظل ظرفيا، فإن ما يتحكم به هو مجرد الرهـانـات والمصالح اللحظية، وهو ما يمنع عملية التطور والتغيير المطلوبة من الحدوث.
 
ويمكن ملاحظة تغليب المصالح اللحظية على سلوك هذه النخبة خلال فترات الانتخابات، حيث تبنى علاقات ومصالح بين أطراف متعددة يقودها أفراد النخبة، دون أن تعكس تلك العلاقات حقيقة التصور الاستراتيجي، بل هي علاقات لحظية تقود إلى نتائج فورية، مما يجعل النخبة قادرة على الاستمرار، دون تصور أو منهج واضح.
 
وبـقـدر ما تبدو هذه النخبة تتفاعل فيما بينها بصورة قادرة على إدارة الأمور، إلا أن آليات إفرازها وبقائها تجعلها قابلة للاصطدام فيما بينها، وإحداث الصراعات السياسة والاقتصادية وفق مبدأ الدسائس بين المتنافسين حول صاحب القرار السياسي، وهو ما يخلق حالة أردنية خاصة وهي أن السلوك السياسي للنخبة يستند إلى مـمـارسـات تقليدية تغذيها علاقات القرابة والعشائرية والجهوية والعديد من الهويات الضيقة التي تظهر كمظلات يختبئ تحتها أفراد النخبة في لحظات الصراع أو التنافس أو التحشيد، وهو ما يؤثر حتى على بعض المؤسسات التي تحاول أن تبدو مؤسسة عصرية الطابع مثل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
 
لذا فإن أي إصلاح حقيقي أو تغيير جوهري هو مرهون بتأهيل فاعلين جدد ليدخلوا نادي النخبة وفق آليات جديدة، بحيث تشكل هذه الآليات قطيعة مع الآليات السابقة لإنتاج النخبة، وبالتالي تكون النخبة الجديدة نتاج حالة قطيعة مع النخب السابقة، ويتم خلال هذه المرحلة تأهيل النخب الجديدة للمشاركة الديمقراطية وخدمة الصالح العام، لتصبح هذه النخبة الجديدة صلة وصل قوية بين الدولة والمواطن.
 
ويبرز تطوير النظام التعليمي كإحدى الدعامات الرئيسة لعملية التطوير وإعادة إنتاج النخب، وإحدى النقاط المركزية في مشروع الدولة في بعده الثقافي، وفي صناعة هوية اجتماعية جمعية تأخذ بالرؤية الحديثة للدولة، وأحد أهم الطرق التي يجب سلوكها من أجل التحديث والعصرنة.
 
فالمدرسة تساعد في بناء مخيال تربوي واجتماعي وثقافي يغير في دينامية الحركة المنتجة للنخب، وهو ما يعني أن إفرازات السياسة التعليمية فيما يتعلق بالنخبة تكمن في خلق ملامح جديدة لمفهوم النخبة مبنية على تصور اجتماعي اقتصادي ثقافي جديد، يرفض ملامح النخبة التقليدية، فالسياسة التعليمية تساعد بوضوح في تغيير عملية (تنخيب) الأردنيين مما يؤدي إلى تغيير جوهري في تغيير ملامح النخبة.
 
الدولة الأردنية أمام اختبار حقيقي ومحدق، وهو إعادة الدور الحقيقي للنخبة في الأردن، وليكون هناك طبقة جديدة من النخبة تدرك المعنى الحقيقي للتغيير وأهميته، وقادرة على تحقيقه عبر مواجهة البنى التقليدية والقديمة وشبكة التحالفات المؤقتة للنخب التقليدية مع العامة.
 
الدولة اليوم تواجه تحديات التحول في الهوية الاجتماعية وعدم قدرة المسؤول أو النخبة من بناء جسور مع المواطنين، وعدم قدرتهم على تمثيل الدولة بأفضل حالاتها، فالتدوير الذي يحصل داخل النخبة الحالية على المناصب والفرص الاقتصادية يزيد من ظاهرة الاحتكار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويقلل دائرة المنتفعين من الدولة وصانعي القرار فيها، مما يخلق حالة مستدامة من التهميش التي تضعف الشبكات الاجتماعية الداعمة للدولة، ويساعد على بناء خطاب غاضب خلف الجدران، لا يتناسب مع الحديث الهادئ خارجها.