Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Apr-2021

لماذا لم ينته التهديد الذي يشكله “كوفيد – 19” على الاقتصاد العالمي؟

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
جيمس ميدواي* – (نيو ستيتسمان) 16/4/2021
 
سوف يستمر الفشل في تحصين الكثير من سكان العالم باللقاحات والخطر الذي تشكله الطفرات الجديدة من الفيروس في إعاقة النمو. ونحن نواجه عالمياً مشكلة تنسيق ضخمة، والتي تتطلب التطوير والإنتاج والتوزيع المستمر للقاحات فعالة ضد سلالات الفيروس المنتشرة. وكان ما بنيناه على مستوى العالم هو اقتصاد سيئ بشكل مذهل في حل مشاكل التنسيق المتكررة والمكلفة. وتعني هيمنة حقوق الملكية الخاصة على المعرفة أن لا تتمكن الحكومات الوطنية المتنافسة من ضمان الإمداد الفعال للسلع العامة العالمية، مثل المطاعيم، في جميع أنحاء العالم.
* * *
في بداية العام 2021، كان الافتراض السائد على نطاق واسع هو أن الآفاق الاقتصادية للعالم الأنجلو-أميركي ستكون قاتمة إلى حد كبير: فقد شهدت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بعضًا من أعلى معدلات الإصابة بـ”كوفيد -19″ وعانتا من أسوأ الضربات الاقتصادية على الإطلاق. ومع ذلك، بعد بضعة أشهر فقط من بدء العام، راجع صندوق النقد الدولي توقعاته وتنبأ بأسرع نمو اقتصادي تشهده الولايات المتحدة منذ الستينيات، والذي سيرتفع إلى 6.4 في المائة هذا العام. وفي المملكة المتحدة، تدور المناقشات حول حجم الانتعاش الاقتصادي من الوباء، حيث يتوقع بنك إنجلترا معدلات نمو قياسية خلال هذا العام، والتي يمكن أن ترتفع أكثر إذا أنفقت الأسر أكثر من المدخرات التي راكمتها على مدار فترة الوباء والتي تقدَّر بنحو 180 مليار جنيه استرليني.
من المعقول توقع انتعاش سريع بينما يتم تخفيف قيود الإغلاق. ونحن نعرف من العام الماضي أن تعافي الاقتصاد بعد الركود يمكن أن يكون كبيرًا. وسوف يؤدي النجاح الكبير الذي حققه إطلاق اللقاحات وتوزيعها في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى تحييد جزء كبير من المخاطر والتكاليف -البشرية والنقدية- التي رتّبها الفيروس. ولكن، بمجرد أن ينتهي الصيف، يغلب أن يبدو الوضع أقل وردية بشكل ملحوظ، وبطرق ستكون لها آثار كبيرة على النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
في المراحل المبكرة من الوباء، كان العديد من الاقتصاديين يميلون إلى الرأي القائل إن “كوفيد -19” سيكون صدمة لمرة واحدة، حيث يتم سحق الطلب والنشاط الاقتصادي بسبب التباعد الاجتماعي وعمليات الإغلاق على المدى القصير، فقط ليأتي التعافي بسرعة بعد ذلك. سوف يكون الوباء مؤلمًا ومدمرًا، لكنه سيكون، من الناحية الاقتصادية، قصير الأجل، من دون عواقب وخيمة طويلة الأمد -بطريقة تشبه إطفاء مصباح ثم إشعاله مرة أخرى.
لكن هذا التفاؤل يتناقض بشكل صارخ مع النمذجة الوبائية التي أشارت إلى أن فيروس “كوفيد -19” سوف يستمر بشكل مزمن، حتى بعد وصول لقاحات فعالة. ومن المؤكد أن الانفصال بين الرؤيتين، والنصيحة التي قدمتها كل منهما للحكومات، أسهم في حالة الارتباك التي شوهدت في المملكة المتحدة الصيف الماضي، حيث حذر مسؤولو وخبراء الصحة العامة من مخاطر موجات ثانية (أو أكثر) من الفيروس، في حين دفعت وزارة الخزانة خطة “تناوَل طعامك في الخارج لتساعد على الخروج من الأزمة”، التي زادت من الإصابة بفيروس “كوفيد” بنسبة تصل إلى 17 في المائة.
بمجرد أن تنحسر الطاقة الكبيرة الناجمة عن رفع الإغلاق، سوف نكون قريبين من الخريف في عالم ما يزال الفيروس ينتشر فيه على نطاق واسع في كل مكان، وتتزايد معه الإصابات المحلية – وفقًا لنمذجة “سيغ” Sage الخاصة. ومهما كان الارتفاع المؤقت الذي يمكن تحقيقه من تخفيف الإغلاق وزيادة الإنفاق الحكومي -الأسس الرئيسية التي تستند إليها التنبؤات المتفائلة بشأن تعافي الولايات المتحدة- فمن غير المرجح أن يكون هذا الارتفاع مستدامًا في عالم ما يزال النمو العالمي فيه متقلبًا والذي تكون تكاليف الأمن ضد الفيروس قد ارتفعت فيه بشكل حاد.
حذر أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وجان بيساني فيري، المستشار السابق لإيمانويل ماكرون، من مرحلة تكثر فيها المخاطر بعد اللقاح، وعلى رأسها مخاطر الطفرات التي تحدث في الفيروس. وليس اللقاح عصا سحرية: فالجرعات التي نأخذها جميعاً تقلل من مخاطر الإصابة بحالة شديدة من المرض أو الوفاة بسببه إلى حد كبير، والدليل المبكر غير المؤكد هو أنها تقلل بشكل كبير من انتقال العدوى. لكن هذا لا يماثل القضاء على الفيروس. وبينما تتم ممارسة المزيد من الضغط على مسكن الفيروس الحيوي في الجسم البشري، مع تقليل التباعد الاجتماعي وزيادة المناعة من قدرة السلالات الحالية على التكاثر، تزداد احتمالية ظهور طفرات تتمكن من تجنب اللقاح وتزيد الانتشار. ونظرًا لأن التأخير في نشر اللقاح -على النحو الذي تختبره أوروبا الآن والذي يُتوقع أن يتكرر في الكثير من أجزاء العالم- يمكن أن يزيد من احتمالية انتشار السلالات المقاومة للقاح إلى السكان على نطاق أوسع، فإن السرعة ضرورية حتى يمكن بأسرع وقت إغلاق الفضاء البيئي الذي تستطيع أن تنتشر فيه الطفرات الفيروسية الجديدة.
إن ما نواجهه عالميًا هو مشكلة تنسيق ضخمة، والتي تتطلب التطوير والإنتاج والتوزيع المستمر للقاحات فعالة ضد سلالات الفيروس التي تكون قيد الانتشار. وكان ما بنيناه على مستوى العالم هو اقتصاد سيئ بشكل مذهل في حل مشاكل التنسيق المتكررة والمكلفة. وتعني هيمنة حقوق الملكية الخاصة على المعرفة أن لا تضمن الحكومات الوطنية المتنافسة بطريقة سحرية الإمداد الفعال للسلع العامة العالمية، مثل المطاعيم، في جميع أنحاء العالم.
يجب أن يكون الاحتمال الواضح لأن يظل الكثير من العالم غير محصن ضد الفيروس ومتحوراته في المستقبل المنظور سبباً للتخفيف من أي تفاؤل اقتصادي. في أماكن مثل أستراليا ونيوزيلندا، تُستخدم ممرات محمية للسفر بين البلدان التي تعد “آمنة”، لكنّ الضوابط المشددة على الحدود ما تزال قائمة بالنسبة لبقية الدول. وما تزال سرائيل، التي حظيت بالكثير من الإشادة باعتبارها قصة نجاح في إعطاء اللقاح لمواطنيها، تفرض قيودًا صارمة على الحدود.
لكن لدينا اقتصادًا عالميًا قائماً على السفر والتجارة الدوليين. ويجب أن تكون تجارة السلع هي الأقل تضرراً، لكن الدخل السياحي، الذي يمثل 1.7 تريليون دولار على مستوى العالم، انخفض بنسبة 74 في المائة العام الماضي، وسيؤدي التأثير غير الملموس لمحدودية التواصل الشخصي وجهاً لوجه، كما يشير بلانشارد وبيزاني فيري، إلى جر نمو الإنتاجية إلى أسفل.
أضف إلى ذلك خطر تفشي المرض في مناطق محددة، كما يظهر من الارتفاع المفاجئ لمتغير 501Y.V2 في جنوب لندن، حيث يبدأ خطر الإغلاق المتكرر وإعادة التباعد الاجتماعي في جميع أنحاء العالم في التصاعد. وستكون تكلفة مراقبة انفجارات الفيروس وتفشياته، وتكرار عمليات التطعيم وتحديث أنظمة الرعاية الصحية، هائلة. والنتيجة المرجحة هي الحاجة المستمرة إلى الدعم الحكومي لإدامة النشاط الاقتصادي، من تقديم الدعم للمراقبة الحيوية إلى الدعم النشط للصناعات.
إننا ننتقل إلى عالم لم تعد فيه البيئة شيئًا يمكن إدارته والسيطرة عليه وقمعه -كما يفترض الاقتصاد وصنع السياسات التقليديين، عندما كنا نتعامل معها على أنها “عوامل خارجية” للنشاط الاقتصادي. إنها، بدلاً من ذلك، عامل جديد خطير ومتقلب في حياتنا كلها، حيث يشكل “كوفيد -19” أول أزمة بيئية عالمية حقيقية. ولن نفلت من هذه الأزمة في أي وقت قريب. ومع تسارع تغير المناخ، يغلب أن تكون الأولى من كثير فحسب.
 
*James Meadway: خبير اقتصادي ومدير “منتدى الاقتصاد التقدمي”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why the threat posed by Covid-19 to the global economy is not over