Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-May-2017

الخامس والسادس من أيار - أ.د. عصام سليمان الموسى
 
الراي - يوما كبرياء في تاريخ العروبة الحديثة، ففيهما كتبت اسماء كوكبة من شهداء الفكر والقلم في سجل الخلود، ارتقوا المشانق غير مبالين بالموت في سبيل ان تحيا امتهم.
 
لقد أعدم جمال باشا السفاح على مدار يومي الخامس و السادس من أيار عام 1916 اربعة وثلاثين من مفكري الأمة العربية في ساحتي الشهداء في دمشق و بيروت، وقد حوكم بعضهم وأعدم بعضهم دون محاكمة. كانوا جميعا رجال فكر: سبعة مسيحيين، والباقي مسلمين. وكانت جريرتهم انهم طالبوا باستقلال بلاد العرب، او بالحكم الذاتي، كما وقفوا سدا منيعا امام عملية التتريك التي سعت لطمس اللغة العربية- لغة القرآن الكريم- وطمس الهوية العربية. كما انه نفى المئات الى شمال الاناضول وساحات القتال دون اعتبار للعمر.
 
الأمر الذي يستحق الذكر أن من بين هؤلاء الشهداء – تغمدهم الله برحمته الواسعة – كان هناك ستة عشر صحفيا. وكانت جريرة هؤلاء كبيرة في نظر جمال السفاح، لأنهم في صحفهم دعوا لحرية العرب. لكن الحقيقة التي يجب ان نعرفها ان هؤلاء الصحفيين لم يتجاوزوا سقف الحرية الذي سمحت به السلطة العثمانية بموجب قانون المطبوعات العثماني الصادر عام 1909- وهو القانون الذي أصدرته جماعة الاتحاد والترقي بعد ان انقلبت على السلطان عبد الحميد الثاني- ورفعت فيه سقف حرية التعبير عن القانون السابق الذي صدر عام 1864 وكان متشددا جدا دفع بعدد من الصحفيين من بلاد الشام للهجرة الى مصر وشمالي افريقيا. لكن جمال، حاكم سوريا العسكري، كان لهؤلاء بالمرصاد إذ أمتلأ صدره بالحقد بعد ان صده الانجليز وأفشلوا حملته العسكرية على مصر.
 
كانت الأجواء العربية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مفعمة بروح الانفكاك من اسر امتد اربعماية عام مرت ثقيلة على النفوس الأبية. كانت الآلام مبرحة عبر عنها ابراهيم اليازجي بدعوته:
 
تنبّهوا و استفيقوا أيَّها العرب...فقد طمى الخطب حتّى غاصتِ الركبُ
 
فيم التعـلل بالآمـال تخدعـكم.......وأنـتمُ بيـن راحــاتِ القــنا ســُلـبُ
 
واستجاب هؤلاء المفكرون لهذه الدعوة. وعبقت الأجواء بروح القومية. وها هو الشهيد رفيق رزق سلوم ينشد في أحد المنتديات الثقافية:
 
قبّلتُ حدّ السيف قبلة عاشق
 
وهتفت يا سلمى افرحي وتهللّي
 
إن كان في موتي حياة تُرتجى
 
للعُربِ أَقبل يا حمام
 
ويوم صدر الأمر بإعدامه نراه يسير إلى المشنقة في بيروت ثابت الجنان، مرفوع الرأس، غير هياب من الموت. وعندما اقترب ورأى جثة (عبد الحميد الزهراوي)، أستاذه ورفيقه في الجهاد والعلم متدليةً من المشنقة الأولى، غلب عليه الوجد وحيّاها صائحاً (مرحباً يا أبا الحرية). وقد ترك الشهيد سلوم لأهله رسالة بين فيها كيف أُلقي القبض عليه وما قاساه في سجن عاليه ولحظات انتظاره للإعدام، وفيها يطلب منهم أن لا يحزنوا لموته ويوصيهم أن يكتبوا على شاهدة قبره الأبيات التالية:
 
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا
 
فإن أكلوا لحمي وفرتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا.
 
وجاء اعدام هؤلاء الرجال صدمة لملك العرب الشريف الحسين بن علي، الذي ارسل ابنه فيصل لجمال باشا مناشدا اياه العفو عنهم لكن بدون طائل، فعجل قرار اعدامهم بإعلان الثورة العربية الكبرى بعد شهر فقط على الحدث الشنيع.
 
السؤال: ألا يستحق منا هؤلاء الشهداء التكريم؟ الآ يستحق المفكرون والمثقفون والصحفيون العرب، وخاصة الأردنيون، ان يكون يوم الخامس من أيار يومهم؟ ثم الا يستحق هؤلاء ان تكرمهم وزارة التربية وتدرس سيرهم في كتب الدراسة؟
 
وانها ايضا دعوة موجهة لوزارة الثقافة، ولرابطة الكتاب الأردنيين، ولنقابة الصحفيين الأردنيين، ، ان يكون الخامس من أيار يومهم من كل عام، تقام فيه الاحتفالات الثقافية، والصحفية، ويكرم الأدباء والمفكرون والمبدعون والفنانون وتوزع عليهم الجوائز في ذكرى هؤلاء الشهداء الأبرار، ويطلع الناس على فكرهم مرتبطا بيوم عظيم ما ايام تاريخنا الحديث.