Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Mar-2017

القديم الجديد: الثقافة الخفيفة والثقافة الثقيلة - د. زيد حمزة
 
الراي - قبل اثنين وثلاثين عاماً كتبت في هذه الصحيفة (الرأي) وبالتحديد في 30 /1 /1985 مقالا بعنوان ( الثقافة الخفيفة والثقافة الثقيلة) جاء فيه: لا يتبادر لذهن احد منكم انني اقصد بالثقافة الخفيفة ذات الظل الخفيف وبالثقافة الثقيلة ذات الظل الثقيل ! فالوصف هنا مقتبس عن التعبير الاقتصادي الذي يقسّم الصناعة الى خفيفة وثقيلة ، والمقصود بالثقافة الخفيفة كل ما تلتقطه عقولنا وتستجمعه افئدتنا مما نراه ونسمعه ونقرؤه ونحس به دون جهد نبذله ودون تركيز وامعان وتمحيص، فقراءة الصحف بسرعة والاستماع لنشرات الاخبار ومشاهدة بعض برامج التلفزيون وملاحظة الناس وسلوكهم والتعرف على جغرافية العالم وعادات شعوبه من خلال السياحة والاسفار وسواها، تشكّل كلها روافد خفيفة تلتقي وتصب في اذهاننا بسهولة واحياناً دونما وعي او ارادة من جانبنا فتراكم مع الوقت الطويل ثقافتنا العامة.. اما الثقافة الثقيله فتلك التي نبذل في سبيلها عناءً وجهدا ونوليها اهتماما وتركيزا، فحين نقرأ الصحيفة للتمعن في مقالاتها أو البحث فيها بهدف الوصول الى معلومات معينة تساعد في تشكيل قناعاتنا، وحين نحتفظ ببعض قصاصاتها ومقالاتها كوثائق نعود لها عند الضرورة والاقتضاء، وحين نقرأ الكتب الجادة والمراجع التي تضم مواضيع نتطلع للمزيد من المعرفة حولها وتستغرقنا هذه القراءة وقتا اطول نحس بعده اننا حصلنا على شيء جديد وقد دخل الى اعماقنا بمالا يتطاير سريعا او تذروه رياح المتغيرات اليومية المتلاحقة، وحين نستعمل جهاز الفيديو لمشاهدة برنامج وثائقي أو فلم تاريخي او علمي فاننا نكون قد هيأنا انفسنا سلفا للاستيعاب والمتابعة ، وانا هنا بالطبع لا اتحدث عن علوم التخصص او دراسات المهنة اذ لكل صاحب مهنة قراءاته العلمية الخاصة به مما يدخل تحت باب (التعلم المستمر) ولذلك حديث اخر هام وطويل.. اقول هذا الكلام وانا ارى مصادر الثقافة المتعددة التي تتاح لنا في هذا العصر وقد عزّت على الاجيال الماضية ، وارى الثقافة الخفيفة – بشكل خاص – كثيرة سريعة متواصلة قد تجرف معها إذا لم نحسن الانتقاء كل اهتماماتنا وتبتلع ليسرها وإمتاعها كل وقتنا وطاقتنا فلا يبقى منهما شيء للثقافة الثقيلة مع انها الأنفع والأجدى والأروع اذ هي القاعدة الصلبة التي يبني عليها المثقف الحقيقي مواقفه المتميزة..
 
وبعد.. لقد انتهى المقال القديم فماذا أقول الآن ونحن في عصر الانترنت الذي يفوق في حجم معلوماته ما تحدثت عنه بمئات الاضعاف ، ويأخذنا الى مناحي جديدة مدهشة من النشاط البشري والفكر الانساني لم نعرفها من قبل ولم تخطر ببالنا في يوم من الايام ، وتثير في بعضنا الرغبة لاقتحام المجهول والمغامرة في الثورة على كثير من المفاهيم القديمة التي ثبت خطؤها حتى لو تمسك بها المجتمع باسم المحافظة على التقاليد ، ومع ذلك فان ما قلته قبل ثلث قرن يبقى قائماً أتشبث به وبمغزاه رغم ما نقرأه كل يوم كيف يضخم اصحاب الهمم الضعيفة مخاطر الشبكة العنكبوتية على اجيالنا الناشئة ، وما سمعناه مؤخراً في محاضرة لسياسي اجنبي قال إن ازمة البشرية في العصر الحاضر هي سرعة التكنولوجيا التي لا تتناسب مع سرعة العقل البشري (كذا !) ونسي المنظِّر الكريم أن هذه التكنولوجيا ككل سابقاتها في مراحل التطور البشري هي من صنع العقل الانساني نفسه ، القادر أيضاً على أن يعايشها ويسبقها ليصنع لنا كل مرة ما هو أفضل وأرقى واسرع ، ويحتوي في نفس الوقت على.. ثقافة ثقيلة لا يهاب ( الشباب ) اقتحامها واستيعابها والافادة منها..