Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Aug-2019

تطوير المناهج وتحديات البيئة المدرسية* شروق طومار

 الغد-في مقالي السابق حول تطوير المناهج، تحدثت عن أبرز ملامح عملية التطوير بحسب العرض المقدم من المركز الوطني لتطوير المناهج، وتطرقت بشكل سريع لعدد من الملاحظات والمحددات التي من الممكن أن تعترض سير التجربة وتسهم في إفشالها، وبالتالي فهي تتطلب نظرة متأنية وتفكيراً عميقاً.

في هذا المقال أناقش واحداً من أهم هذه التحديات، وهو مدى أهلية البيئة المدرسية في مدارسنا لاستيعاب التغيير الجذري الحاصل في المناهج، وقدرتها على التعامل معه بطريقة مهنية؛ فنياً وتربوياً، لتحقيق النتائج المرجوة منه.
عند الحديث عن البيئة المدرسية فنحن نتكلم عن عدد ليس هينا من العناصر التي تنبني عليها العملية التعليمية، والمتفاوتة في درجة تأثيرها عليها، وأكثرها أهمية في موضوع النقاش هنا برأيي ثلاثة عناصر: إدارة المدرسة، مرافقها، والمعلمون.
أشرت في المقال السابق إلى إدراك القائمين على المشروع لأهمية المعلمين ودورهم الرئيسي في تنفيذه، وقد جرى الحديث عن وجود نية لتدريبهم بالتعاون مع الشركة المنتجة للمناهج الجديدة، لكن اقتصار الحديث دائما في هذا الصدد على المعلمين يشي بعدم وجود فهم حقيقي لدور وأهمية العناصر الأخرى وتأثيرها.
إضافة لذلك، فإن آلية التدريب التي ستتم من خلال تدريب 250 شخصا من كوادر وزارة التربية ليقوموا بتدريب كافة معلمي المملكة للصفوف الأول والرابع تطلب خطة تنفيذية معدة بعناية كبيرة وتحتاج بالتأكيد لفترة زمنية أشك في توفرها في ظل عدم تبقي سوى أيام قليلة على بداية العام الدراسي.
عملية تدريب المعلمين على المناهج المطروحة بمحتواها الجديد لن يجدي فيها إشراكهم في ورشة أو اثنتين يتم خلالها تعريفهم بشكل نظري وسريع على التغييرات الرئيسية ومن ثم تزويدهم بدليل المعلم، إنما تحتاج إلى إخضاعهم لبرنامج تأهيل منهجي حقيقي يأخذ مداه اللازم لإفهام المعلمين جوهر التغيير الحاصل في فلسفة العملية التعليمية وتغيير نمط تفكيرهم لاستيعابه وتبنيه، وإكسابهم مهارات تمكنهم من التعامل معه.
كما ينبغي أن لا تتوف العملية عند المعلم، وإنما يجب أن تشمل العاملين في مختلف المستويات الإشرافية، بل ويجب أن تبدأ بهم قبل المعلمين، لأن المعلم وإن كان قد خضع لتدريب ناجع، فإنه لن يتمكن من تنفيذ ماهو متوقع منه إذا وجد مقاومة من مشرفيه نتيجة عدم تغيير نمطية تفكيرهم وتعاملهم مع العملية التدريسية.
وكأبسط مثال على ذلك، فمدرس العلوم الذي تدرب على ضرورة أن يتيح لطلبته احتكاكا ملمسوما بمحتوى درسهم من خلال اصطحابهم إلى الحديقة المدرسية أو الساحة أو المختبر أو حتى سطح المدرسة أو مرآب الباصات فيها، لن يكون بمقدوره فعل ذلك إذا عارضه مدير المدرسة أو نائبه أو مشرف النشاطات أو غيرهم لوجود أولويات أخرى برأيهم، أو إذا نظروا للأمر على أنه “فذلكة” من المدرس، لأنهم ما زالوا غير متشربين لهذه الثقافة.
ولا يقل عن ذلك شأنا ضرورة أن تكون مرافق المدرسة مهيأة ولو بالحد الأدنى، فإذا تم بالفعل إكساب المعلم للمهارات التي يحتاجها، وتم في الوقت ذاته ضمان وجود درجة معقولة من التفهم والتبني لهذه المفاهيم الجديدة لدى المشرفين، ولكن لم تتوفر إمكانية تنفيذ العملية التعليمية وفقاً لآليتها الجديدة المفترضة على الواقع بسبب نقص تهيئة المرافق، فسيكون الأمر محبطاً وسيؤدي الى فقدان الثقة والقناعة بالعملية.
ليس الهدف تعقيد الأمر أو تصويره على أنه شيء غير ممكن، لكن المطلوب أن نسير به بطريقة مدروسة وبمنهج علمي وشمولي، فالاستمرار في الارتجال والعشوائية والعمل الجزئي المفتقر للتكاملية، سيؤدي الى مزيد من الفشل والتراجع وتلاشي الإيمان بقدرتنا على تحقيق نجاح فعلي، وستكون أجيالنا القادمة هي الخاسر الأول من ذلك.