Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2018

النفاق وسياسة الحريديم - دمتري شومسكي

 

هآرتس
 
الغد- مقال الكاتب يسرائيل كوهين من المتدينين المتزمتين "الحريديم" ("الإرهاب العلماني لم يتوقف للحظة"، "هآرتس"، 27/6) هو مقال قراءته ملزمة، لكل من يهتم باقصاء الاقليات والمختلفين الآخرين في المجتمع الإسرائيلي. حيث أن كوهين يحسن تمثيل الاسلوب المضلل لاستخدام قيم التسامح والانفتاح على "الآخر" من اجل فرض رؤية سياسية قمعية ترتكز جميعها على رفض الاختلاف ورفض الآخر في المجتمع الإسرائيلي، اسلوب سيخدم في المستقبل العديد من الجهات الدينية – الوطنية هنا، طالما يتبين لهم أنه بمساعدته يمكن التضليل بنجاعة لعدد من اتباع التنوع الثقافي، وربما حتى تجنيدهم للدفع بأجندة اجتماعية – ثقافية ضد التنوع بصورة واضحة.
 
كوهين يوجه انتقادا شديدا لمعارضي عقد احتفال طائفة "حباد" في ميدان رابين في تل ابيب، وهم يفصلون بين الرجال والنساء بذريعة أنهم مصابون بالنفاق المميز، حسب اقواله، لجهات علمانية وليبرالية في إسرائيل: في حين أنهم يلوحون بفخر بعلم التنور والمساواة والعدل فإنهم يقومون بطيه فورا وبشكل سريع امام مطالبة اقلية الحريديم بحقها في تطبيق اسلوب مختلف لحياتها حسب معتقداتها الدينية. هذا بالنسبة لهم بسبب الخشية الثقافية لليبراليين العلمانيين من "الآخر" الحريديم، الذي يثير الذعر و"يغضبهم ويثير سخطهم" بسبب تقاليده الدينية.
 
ولكن عرض الحريديم في الدولة القومية الاثنية العرقية اليهودية كأقلية تجسد في شخصيتها "الآخر" المختلف، هو سلب للرأي، فكري وسياسي من الدرجة الاولى. من الواضح حقا أنه من الناحية الاجتماعية الثقافية يشكل جمهور الحريديم في إسرائيل، مهما كان متنوع ومتعدد الوجوه، أقلية تختلف في نمط حياتها عن باقي المجتمع الإسرائيلي (المتنوع هو أيضا). ولكن بالمعنى السياسي- السياسي العميق، طالما أن الأمر يتعلق ببنية اساسية في الواقع الوطني، المدني للدولة، فإن مكون الحريديم للمجتمع الإسرائيلي بعيد عن أن يكون "اقلية اخرى".
 
 بالعكس، اقلية الحريديم وتسييس هويتها الجماعية، تتماثل بصورة واضحة مع الدين المؤسسي السائد في إسرائيل، الديانة اليهودية بالصيغة الارثوذكسية، الذي ينفي بشكل واضح "الآخر" – والذي في غياب الفصل بين الدين والدولة يشكل دون عائق سواء الواقع اليومي لمواطني الدولة اليهود (وغير اليهود)، أو الخصائص الثقافية والفكرية للوطنية السائدة في إسرائيل. هكذا، بكونهم الممثلين الاصيلين لدين الدولة في إسرائيل، فإن كل انجاز حتى لو كان صغير جدا لتسييس الحريديم الإسرائيليين يلقي بظله، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على الصورة المدنية القومية لدولة إسرائيل من خلال اعطاء نوع من التعزيز لخصائصها الاثنودينية المقصية.
 
تجدر الاشارة إلى أن كوهين نفسه، وأحيانا السياسيين الحريديم، يدرك جيدا وجود علاقة غير منفصمة بين تسييس هوية الحريديم والنضال من اجل الطابع الاثني الديني اليهودي لإسرائيل. وفي سياق آخر اظهر استقامة كبيرة من اجل الاعتراف بها والزامها بصورة علنية. هكذا، في فترة الازمة حول أعمال البنى التحتية للقطار في يوم السبت، أكد كوهين على أن هدف مشاركة الحريديم في السياسة الإسرائيلية لا تقتصر على الحفاظ على مصالح الجماعة الخاصة لجمهور الحريديم، بل تمس ليس اقل من ذلك بـ "طابع دولة إسرائيل"، القلق على طابع السبت بصورة علنية، قوانين التهويد، الزواج حسب الشريعة، "تهويد العلمانيين" والاطفال الذين تم سبيهم" ("هآرتس"، 3/9/ 2017). بكلمات اخرى، كخلاصة للنفاق الوقح لسياسة الحريديم – بيد نحارب باسم التنوع الثقافي ضد التدخل العلماني في مناهج تعليم الحريديم، ومن اجل حق الحريديم في عدم الخدمة في الجيش لأسباب ضميرية دينية، وباليد الاخرى يشجعون التدخل المبتذل والفظ في نمط حياة الإسرائيليين العلمانيين.
 
على خلفية النفاق غير الخفي هذا للسلوك السياسي لدى الحريديم، يجدر أن نسأل بجدية هل يوجد مبرر للاتهام بالنفاق الذي يوجهه كوهين ضد العلمانيين والليبراليين؟ لا يوجد أي اساس للدعوى التي تصف العلمانيين الإسرائيليين كمن يخصصون مبادئ المساواة والانفتاح فقط لأبناء امثالهم العلمانيين؟
 
هذه فرية كاذبة، الحقيقة هي أن جوهر مفاهيم مثل "انفتاح على الآخر واحترامه" و"الحاجة إلى الاهتمام بالآخر" الذي يستخدمه كوهين من اجل تشجيع القيم الاثني عرقية، الدينية للسياسة اليهودية لدى الحريديم، كوهين استعارها من خزينة مفاهيم اليسار الليبرالي في اساسه، والانتقادي تجاه نفسه في جوهره، والتي يحب بها أن ينتقد في مقالاته، ذلك نفس اليسار الذي يشير بحق إلى الفشل العميق للصهيونية العلمانية ذات النزعة المركزية الاوروبية، والتي لم تضم "الآخرين" المختلفين في الواقع المدني والثقافي للدولة – وفي نفس الوقت بسذاجة تثير الشفقة يتخيل احيانا حلف سياسي بينه وبين مجموعات مناهضة للتعددية مثل الحريديم، في الطريق إلى تشكيل مجتمع اكثر تعددية واكثر انفتاحا.
 
قبل نحو خمس سنوات عندما كان جمهور الحريديم يشعر بضائقة ازاء قانون التجنيد الشعبوي الذي بادر له حزب "يوجد مستقبل"، كان هنا أمل لامكانية ظهور سياسة حريديم جديدة: اذا كان زعماء الحريديم معنيين بالدفاع عن عالم المدارس الدينية وعن حقهم وحق طلابهم في مواصلة الحفاظ على نمط حياتهم الفريد، كتبت في حينه "عليهم الانضمام إلى الداعين إلى الديمقراطية متعددة الثقافات في إسرائيل... في النضال المدني ضد الهيمنة ذات الطابع المركزي العرقي العلماني – الديني – اليهودي، التي تلوح بعلم علماني – قومي امام الحريديم من جهة وبعلم ديني قومي امام العرب من جهة اخرى ("هذا هو الوقت لسياسة حريديم جديدة"، هآرتس، 3/4/2013).
 
ولكن مثلما يثبت لنا كوهين في مقالاته، ومثلما تعلمنا كل يوم سياسة الحريديم القومية القديمة، كان ذلك أمل عبثي. اجل بصورة طبيعية ومن خلال المنطق الداخلي الذي لا مناص منه، فإن سياسة الهوية لدى الحريديم في إسرائيل تندمج في قلب المشروع القومي – الديني ما بعد العلماني وما بعد الصهيوني لليمين، الذي هدفه تحويل إسرائيل إلى دولة أكثر قومية وأكثر عنصرية من ناحية مدنية – سياسية، وإلى دولة اكثر دينية من ناحية اجتماعية – ثقافية. 
 
مقابل ذلك، على العلمانيين أن يوضحوا لكوهين وجمهور الحريديم دون مواربة: إن تعاطف الحريديم مع التطلع الشرعي للحريديم للحفاظ على هويتهم الجماعية المتميزة سيكون ممكنا فقط بعد فصل الدين عن الدولة في إسرائيل. أو على الاقل مع المأسسة المأمولة للتنوع الديني في اوساط اليهودية الإسرائيلية، في الوقت الذي تكون فيه اليهودية الارثوذكسية مجرد أحد التيارات الدينية في الدولة إلى جانب اليهودية الاصلاحية والمحافظة.
 
في هذه الاثناء ولأن كل انتصار صغير للحريديم في فرض القيم الدينية في الساحة العامة مثل اعطاء الشرعية للفصل بين الرجال والنساء في ميدان رابين، يشكل علامة فارقة في المشروع المستمر للتهويد الاثني قومي للمجتمع الإسرائيلي، على الجمهور العلماني أن يعلن صراع غير متساهل ضد هذه التوجهات في كل ميدان، وفي كل حرم جامعي وفي كل رحلة للطيران.