Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Jun-2017

د. شريف حتاته.. آخر الماركسيين الشُرفاء - د. سعد الدين إبراهيم
 
 
الغد- انتقل إلى رحمة الله يوم 21/5/2017، الدكتور طبيب شريف حتاته، في أحد مستشفيات ألمانيا، وكان في التسعين من عُمره.
ولا بد للأجيال الجديدة أن تُدرك وتتعلم عن أجيال سابقة من أبناء مصر الأوفياء لعقيدتهم ولوطنهم، أعطوا بغير حساب، وضحوا تضحيات جسيمة سنوات طويلة، إما في السجون والمُعتقلات داخل مصر، أو في المهجر خارج مصر، بدون جزاء مادي أو معنوي من متاع الدُنيا. 
كان من أبناء ذلك الجيل الذين استهوتهم الإيديولوجية الماركسية، مثل شريف حتاته، إسماعيل صبري عبد الله، ود. فؤاد مُرسي، والمُحامي الأشهر نبيل الهلالي. والطريف أن الأسماء المذكورة أعلاه، وغيرها ممن لا تُسعفني الذاكرة بأسمائهم، كانوا من أبناء الطبقة الميسورة، من باشوات وبكوات مصر الملكية، الذين كان يُطلق عليهم تجاوزاً، طبقة الإقطاعيين من أصحاب آلاف الأفدنة في الريف، أو الفئة البرجوازية التي كانت تملك العقارات والمتاجر والشركات والمصانع في المُدن. 
أي أن أولئك الأبناء الذين اعتنقوا الأيديولوجية الماركسية، لم يكونوا محرومين مادياً بالمرة، بل ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب وفضة، ومع ذلك تصدوا لطبقة الآباء انتصاراً للطبقة المحرومة من العُمّال والفلاحين في قاع المجتمع. وكان أحد هؤلاء، هو الطبيب الدكتور شريف حتاته، الذي وافته المنية في أحد مستشفيات ألمانيا.
وُلد شريف حتاته لأب من الطبقة الحاكمة الثرية في العهد الملكي، خلال زمن الملك فؤاد، ولكنه عاش طفولته وصباه وشبابه في عهد الملك فاروق، وكهولته في عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات.
وتم اعتقال وسجن شريف حتاته، لما ناهز عشرين عاماً في ظل تلك الأنظمة الحاكمة، ملكية كانت أو جمهورية، رأسمالية كانت أو شعبوية اشتراكية.
وطبقاً لزوجة شريف حتاته، الكاتبة الطبيبة د. نوال السعداوي، فإن صاحبة التأثير الأكبر على شخصية زوجها الراحل كانت أمه الإنجليزية، التي التقاها والد شريف أثناء دراسته في بريطانيا في عشرينيات القرن العشرين. ويبدو أن تلك الأم الإنجليزية الصارمة، ذات الميول الليبرالية، كانت الأكثر تأثيراً في تنشئة شريف وإخوته، على قيم الإنجاز دراسياً، ومهنياً، وعلى قيم الإنصاف والعدالة سياسياً واجتماعياً. فتفوق في دراسته بالمرحلة الثانوية التي أهّلته لدخول كُلية الطب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة فيما بعد)، فتفوق فيها أيضاً، ولكن انضمامه إلى التنظيمات اليسارية الماركسية، أدى إلى اعتقاله وسجنه عدة مرات. ولكن تلك المسيرة نفسها هي التي أكسبته سُمعة المُناضل الشريف، كما كان يُطلق عليه ابن نفس الجيل ونفس الطبقة، نبيل الهلالي، والذي كان والده رئيساً لوزراء مصر في العهد الملكي، قديس اليسار. فقد أنفق كلاهما الثروة الطائلة التي ورثاها عن آبائهما، على قضايا اليسار. أي أنهما كانا الأكثر اتساقاً وإخلاصاً ونُبلاً لمبادئهما. وكان ذلك، طبقاً لنوال السعداوي، أحد أسباب إعجابها، ثم حُبها، وزواجها من شريف حتاته. وهو الزواج الذي أنجب ابنهما عاطف حتاته، صاحب قصة الفيلم الشهير الأبواب المُغلقة.
ولأن الزوجة الطبيبة نوال السعداوي كانت في نفس الوقت أديبة روائية، فقد اكتشفت بسُرعة أن قرينها، شريف حتاته يملك نفس المواهب الأدبية الروائية، فشجّعته وألهمته أن يخوض تجربة الإبداع الأدبي. ولأن شريف حتاته بتأثير والدته ونشأته المُبكرة في بريطانيا، كان يُجيد اللغة الإنجليزية، ويعرف لُغات أوروبية أخرى، فإنه كان مُنفتحاً على آداب تلك الُلغات. وهو ما أضاف إلى موهبته الأدبية آفاقاً إضافية. وتعمّقت تجارب شريف حتاته في السجون المصرية، خلال ثلاث عهود مُتتالية من العهد الملكي في الأربعينيات وبداية الخمسينيات إلى العهد الناصري في الخمسينيات والستينيات، إلى عهد أنور السادات في السبعينيات وبداية الثمانينات.
والذين عرفوا شريف حتاته وشريكة حياته من قُرب، كانوا يعجبون في البداية للاختلاف الشاسع في شخصيتيهما. فبقدر ما كانت نوال انفعالية وصِدامية صاخبة، كان شريف حتاته غاية في الهدوء والرزانة ودماثة الأخلاق. وتقول نوال نفسها إن ما كان يبدو تناقضاً في مظهريهما، كان في الواقع هو سر انجذابهما إلى بعضهما وتكاملهما، ونجاح زواجهما لما يقرب من نصف قرن، إلى أن استهوته إحدى حواريات نوال نفسها، فانفصل عن نوال انفصالاً مُهذباً، ولكنه كان جارحاً، ليتزوج تلك الحوارية الشابة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله الأديب الطبيب شريف حتاته.
وعلى الله قصد السبيل