Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Aug-2019

محمد عبيد اللـه: العربية لغة ذات تاريخ طويل وقد خرجت من كل معاركها سالمة

 الدستور- نضال برقان

ضمن الجهود الرامية إلى مناقشة قضايا المعجم التاريخي التي شغلت المهتمين بتطوير اللغة العربية والنهوض بها في العصر الحديث، يأتي كتاب الباحث الأردني الدكتور محمد عبيد الله الموسوم بـ(الصناعة المعجمية والمعجم التاريخي عند العرب)، الذي يقف على أهمية الصناعة المعجمية، وسبق العرب إلى هذه الصناعة منذ القرن الثامن الميلادي، وسبق العربية إلى تلك الصناعة قبل أن تلتفت اللغات الأوروبية المعروفة إليها بقرون عديدة.
وفي أول فصول الكتاب، وهي خمسة، نجد مراجعة للمصطلحات المعجمية، وتأصيلا لمصطلحين مفتاحيّين، هما: المعجم والقاموس. أما الفصل الثاني فعُني بالمعجم التاريخي من ناحية تعريفاته وظروف ميلاده، وصلته بعلم اللغة التاريخي والمقارن. وأما في الفصل الثالث فناقشت الدراسة قضية مُهمّة هي قضية الفصاحة في المعجمية العربية، في حين درس المؤلف في الفصل الرابع قضايا التأثيل، الذي يعدّ ركناً من أركان صناعة المعجم التاريخي، أما قضايا «المعنى» فعُني بها في الفصل الخامس من الكتاب.
د. عبيد الله نفسه هو أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة فيلادلفيا، مواليد السلط عام 1969م، يحمل شهادة الدكتوراه من الجامعة الأردنية 1998م، وهو ناقد وباحث معروف، عضو جمعية النقاد الأردنيين، وله نشاط ثقافي ونقابي في إطار رابطة الكتاب الأردنيين، وقد انتخب نائبا لرئيس الرابطة، وأمينا للعلاقات الخارجية وعضوا في الهيئة الإدارية خلال عدة دورات. نشر قرابة خمسة عشر كتاباً منها: القصة القصيرة في فلسطين والأردن، بنية الرواية القصيرة، أساطير الأولين: الجنس الأدبي الضائع في السرد العربي القديم، تحولات القصة القصيرة في تجربة محمود شقير، الوعي بالشفاهية والكتابية عند العرب-قراءة في مصنفات الجاحظ، الرواية العربية واللغة-تأملات في لغة السرد عند نجيب محفوظ. وفي مجال الشعر نشر ديوانين: مطعوناً بالغياب 1993، وسحب خرساء 2005.
وفي سبيل رصد أهم المفاصل التي وقف عندها المؤلف، وأهم الرؤى التي تضمنها الكتاب، وهو من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بدعم من جامعة فيلادلفيا، كان لنا مع د. عبيد الله الحوار الآتي:
* على الرغم من أن العربية كانت رائدة الصناعة المعجمية، قبل أن يبدأ هذا النشاط بعدة قرون في اللغات الأوروبية المعروفة، إلا أنها لم تزل اللغة الحيّة الوحيدة دون معجم تاريخي، ما يمثّل مفارقة كبيرة، ترى ما أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
- هذه مفارقة بلا شك، فأطول اللغات الحية عمرا وأحوجها إلى المعجم التاريخي ما تزال محرومة من هذا المعجم، تعود الأسباب إلى ظروف العمل العربي المشترك، وعدم الاستفادة من التجارب السابقة، لتجنب أسباب إخفاقها، كما تعود إلى صعوبات مالية وإدارية تتصل بكلفة المشروع وحاجته إلى زمن طويل. اليوم يمكن الاستفادة من التطور الحاسوبي والتقني مما سيسهم في تقليص زمن الإنجاز، فضلا عن وضوح نسبي في الجوانب المنهجة لم يكن واضحا في مراحل سابقة.
* تذهب من خلال كتابك الجديد إلى أن المعجم التاريخي أخَصُّ بهذه اللغة من غيرها، من أين تتأتى تلك الخصوصية؟
- العربية كما أشرت لغة ذات تاريخ طويل، وقد صمدت بفضل القرآن الكريم على مدى قرون طويلة، ولكل كلمة من كلماتها تاريخ وسيرة لا بد من كتابتها، إنها لغة تمتد من مراحل ما قبل الإسلام وحتى اليوم، إلى جانب ما شهدته من ظواهر المعرب والدخيل وصراع العامية والفصحى ومنافسة اللغات الأجنبية وقد خرجت من كل معاركها سالمة. واليوم تجابهها مشكلة اللغة العلمية ولغة المصطلح العلمي وهي تغالب كسل أبنائها في التعريب. كل ذلك يدخل في ضرورة وضع المعجم التاريخي على أسس تلائم العربية وتنسجم مع طبيعتها وحاجاتها.
* كيف تنظر إلى فكرة المعجم التاريخي للغة العربية، في ضوء التجربة المعجمية العربية الماضي والحاضر، أو التي ستنجز في المستقبل؟
- أنجز أسلافنا أعمالا معجمية مذهلة منذ القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) فالخليل بن أحمد هو رائد المعجمية العالمية، في وضع معجم العين وهو معجم شامل فيه إحصاء بديع على أسس علمية، وفيه منهجية دقيقة في التعريف والإيضاح. وقد أسهمت المعاجم التراثية في حفظ اللغة وصيانتها حتى اليوم، ولكن المعجم التاريخي نوع مختلف عنها من ناحية منهجيته في الجمع والوضع والترتيب، وهو ليس إصلاحا لها وإنما إضافة إليها، تشمل ما لم تسجله تلك المعاجم، كما تشمل ما استجد بعد وضعها إلى جانب منهجيته في التأريخ للألفاظ وفق ما وصلت إليه علوم المعجمية من تطور.
* بعد ذلك التحليق في فضاءات صناعة المعاجم بعامة والمعجم التاريخي بخاصة، عبر فصول الكتاب الخمسة، ترى ما هي أم «التوصيات» التي خرجتم بها، في سبيل إنجاز معجم تاريخي للغة العربية متفرد في قيمته وخصوصيته وشخصيته؟
- كتابنا محاولة لجمع أهم القضايا المتصلة بإنجاز المعجم التاريخي، وهو يدين لجهود المعجميين في العقود الأخيرة ممن أسهموا في تقديم نظرات منهجية مهمة وحيوية في نظرية المعجم التاريخي وكيفية إنجازه على أسس سليمة. ومن أهم توصيات الكتاب تأسيس «أكاديمية» علمية معجمية متخصصة، تدريب فريق عربي متميز لتغطية الاختصاصات المتشعبة التي يحتاجها المعجم، وتشمل معرفة اللغات القديمة والحديثة التي تفاعلت معها العربية، كما تشمل خبرات حاسوبية نوعية لبناء المدونة واقتراح سبل البحث فيها، إلى جانب باحثين مقتدرين في مجال علم المعنى والدلالة لتتبع تاريخ المعنى، وغير ذلك من أمور منهجية ضرورية. وللأسف فجامعاتنا لا تغطي هذه الاختصاصات بالصورة التي يتطلبها إنجاز المعجم التاريخي، ولذلك فأقصر الطرق في نظري هو تأسيس هذه الأكاديمية التي ستخرّج فرقها العلمية ثم تشرع في الإنجاز دون تضييع كبير وقت.